أَلِيماً (١٦١) لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢))
[النساء : ١٥٧ ، ١٦٢]
عيسى عليهالسلام كلمة من كلمات الله ، والكلمات من الأنوار المحضة المشعة عن الله فخلق عيسى كان من عالم الروح ، أي من عالم الأمر ، ولهذا خاطب الحق عيسى عند ما هموا بقتله قائلا : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَ) [آل عمران : ال] ، والتوفي استرداد العارية المستودعة في الجسد ، فحقيقة عيسى بارحت الجسد قبل الصلب ، فبارح اللاهوت الناسوت وما بقي من عيسى إلا الهيكل.
أما التشبيه فلقد حدث من باب كون عيسى صورة ، وكل وجه صورة ، والصور لله لأنها تعينات ، فعند الصلب قلب المصور صورة عيسى فإذا هي صورة أخرى ، فشبه لصالبيه ، فظنوا أنهم صلبوه وما صلبوه.
١٦٣ ، ١٦٨ ـ (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً (١٦٣) وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً (١٦٤) رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً (١٦٥) لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨))
[النساء : ١٦٣ ، ١٦٨]
الوحي كان من الله تعالى إلى محمد وبقية الأنبياء ، وهذا الوحي هو الروح القدس وأمين الله جبريل الذي وصف في موضع آخر بقوله : (وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) [الشّورى : ٥١] ، فالآية تدل على أن الوحي طبقات ، أوله الإلهام كما قال سبحانه : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشّمس : ٧ ، ٨] ، فهذا ضرب من الوحي سمي الخاطر الملكي ، ولكل مؤمن خاطر ملكي هو وحي إلهي يرشده سواء السبيل ، بل إن الإلهام ليشمل الفجور كما جاء في الآية المذكورة ، وذلك من باب حديث النفس ، وهو إلهام ذو قصد وصفه ابن عطاء الله قائلا : حرك عليك النفس ليدوم إقبالك عليه ، فهذا التحريك دفع آدم إلى الخروج من الجنة ، والأسماء العلمية في صدره مكنونة ، وأهبط إلى أرض العناصر والمادة ليتم فلق هذه العلوم بالتناقض.