الطعام الواحد الطعام الإلهي ، وهو مثل المائدة التي أنزلها الله سبحانه على الحواريين ، والطعام الإلهي قانون ودستور وحكم لكن القوم طالبوا بطعام آخر ، وهو طعام أرضي ، والطعام الأرضي هو ما تطعمه الحواس ، فهو إذن محسوسات ، وهنا يلتقي بنو إسرائيل عبدة العجل بالفلاسفة والمفكرين الحسيين الذين لا يؤمنون بغير ما يرد من باب المحسوسات ، وهم كثير ، وترى منذ بدء الخليقة انقسام الناس بين مؤمنين بالطعام الإلهي وبين ملحدين ومشركين.
وقوله : (اهْبِطُوا مِصْراً) يعني مدينة البدن ، أي مجمع الحواس ، لأنه أضاف قائلا :
(فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ ،) ففي مجمع البدن كل ما يطلبه القلب من طعام الأرض ، ورمز إليه بالبقل والقثاء والثوم والعدس والبصل.
وقوله : (وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ ،) يعني حاصل محصلة الاعتماد على عالم العيان دون عالم الغيب ، إذ أن هذا العالم محدود ، وإمكاناته ليست منه ، وترى علماء المادة والطبيعة حتى يومنا هذا قد علموا قليلا من الحقائق ، وظلوا جاهلين أكثرها ، وهم يصرحون إذا ما رأوا ظاهرة محيرة هذا سر من أسرار الطبيعة لم نكتشفه بعد ، فالنتيجة إذا انقطاع المدد الإلهي عن الناس ، فظلوا في حيرتهم يعمهون.
٦٢ ـ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢))
[البقرة : ٦٢]
استثنى سبحانه من أهل الظاهر المؤمنين واليهود والنصارى والصابئين الذين آمنوا بالعالمين الظاهر والباطن ، بالعيان والعين ، بالمادة والروح ، فهؤلاء يأكلون كل طعام.
٦٣ ، ٦٤ ـ (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (٦٣) ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٤))
[البقرة : ٦٣ ، ٦٤]
الطور إشارة إلى التجلي الإلهي بالقهر ، إذ لما تجلى سبحانه للجبل خر موسى صعقا ، فالجبل إشارة إلى الفكر ، إذ الفكر يشع عن الدماغ في الرأس ، والجبل ما علا من الأرض ، والأخذ بالقوة الأخذ عن الفكر ، على ألا يغفل القلب عن أن الفكر هو من خلق الرحمن ، سبحانه ميز الإنسان بالفكر ، فشرفه وفضله على بقية المخلوقات.
٦٥ ، ٦٦ ـ (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ (٦٥) فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها وَما خَلْفَها وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (٦٦))
[البقرة : ٦٥ ، ٦٦]
السبت بمثابة الجمعة عند المسلمين ، فهو إشارة إلى الجمع ، والوصول إلى الجمع يقينا