بالكشف يعني كشف الفاعل الحقيقي في الوجود ، ولهذا لا يعمل اليهود عملا يوم السبت ، ولهذا رمز ، ورمزه الإيمان والتسليم بصاحب الأمر والفعل ، أما إذا ظل الإنسان مؤمنا بأنه هو الفاعل ، لا الروح فيه ، فهو بمثابة القرد لا يعي حقيقة أمره.
فالإنسان يتصرف في ملك ليس هو صاحبه ، وإن بدا الأمر ظاهرا كذلك.
٦٧ ـ (وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ (٦٧))
[البقرة : ٦٧]
البقرة كناية عن النفس ، والآية تتمة لما سبقتها من حديث عن رفع الطور ، فالنفس دابة منقادة لله ، وهي القلب الذي هو في قبضة الرحمن ، وذبحها ، أي نحرها ، أي التضحية بها ، أي الخلاص من قولك أنا ، ضرورة لكشف الحقيقة.
٦٨ ، ٦٩ ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ فَافْعَلُوا ما تُؤْمَرُونَ (٦٨) قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما لَوْنُها قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ صَفْراءُ فاقِعٌ لَوْنُها تَسُرُّ النَّاظِرِينَ (٦٩))
[البقرة : ٦٨ ، ٦٩]
النفس خالدة لأنها إلهية ، فلا يشملها زمان ، فهي من قبل الزمان ، والزمان من صنعها ، ولهذا وصفت بأنها ليست مسنة ولا صغيرة ، بل هي بين بين ، وهذا البين هو تأرجح النفس بعد التعيين بين قوسي الزمن.
والنفس صفراء ، والصفرة من ألوان الطيف ، فالإشارة إلى شفافية النفس ولطفها.
٧٠ ، ٧١ ـ (قالُوا ادْعُ لَنا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنا ما هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا وَإِنَّا إِنْ شاءَ اللهُ لَمُهْتَدُونَ (٧٠) قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيها قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ (٧١))
[البقرة : ٧٠ ، ٧١]
النفس لم تخلق لتكون مطية للمادة ، بل المادة مطية لها ، ولهذا وصفها سبحانه بأنها غير ذلول ... والخروج على الذل هذا هو من تعظيم الحق لهذا الخلق الإلهي الذي لا يدرج في فعل كن الوجودي ، لأن النفس صورته سبحانه ووجهه الظاهر.
٧٢ ، ٧٣ ـ (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (٧٢) فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٧٣))
[البقرة : ٧٢ ، ٧٣]
الحديث عن قتل النفس الحديث عن مصير النفس الجزئية بعد موت البدن ، وهي مسألة عالجتها الفلاسفة كثيرا ، واختلفت فيها الآراء ، والحقيقة أن النفس باعتبارها المرآة فلا وجود لها بذاتها بل بأصلها وهو الحق ، لذلك فإن الحديث عن الجزء والجزئي أمر غير وارد في