صيد البحر صيد الذات ، وهي ذاتان ذات إلهية هي الوجود إطلاقا وتعينا ، وذات موجودة بالوجود الإلهي وهي مجموع النفوس الجزئية ، والله كما ورد في الحديث : (خلق الخلق ليظهر به) ، فالذات الإلهية استودعت الذات المتعينة قواها وإمكاناتها ، وجعلت صيد مالدى هذه الذات من علوم حلالا ، وهذا هو معنى ظهور الله بالخلق.
وقوله : (وَلِلسَّيَّارَةِ) يعني رحلة النفس من أرض المحسوسات إلى سماء المعقولات ، وللنفس في هذا السفر زادها من المعقولات التي صيدت إذ لا سفر من غير زاد.
وقوله : (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً) هو عودة إلى الخلوة حيث يحرم مد العينين إلى الحياة الدنيا وزينتها وويخصص الوقت كله لله.
٩٧ ، ٩٩ ـ (جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٨) ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (٩٩))
[المائدة : ٩٧ ، ٩٩]
الكعبة رمز الصدر ، وكونها البيت الحرام لأن فيها السر الإلهي حيث الله مقيم في الصدر بلا كيف ولا حلول ، والشهر الحرام هو الشهر الذي يرصد لله لكي يتابع القلب سفره حتى يصل إلى الذات الإلهية فتتجلى له وينجلي لاستقبال أنوارها.
١٠٠ ـ (قُلْ لا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللهَ يا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠٠))
[المائدة : ١٠٠]
الخبيث كثير مما يرد من المحسوسات ، لأن هذه الواردات حجب عن الله ما لم تسفر عن الله ، ولهذا شرع الحق الشرايع لتكون الشريعة الصراط لبلوغ الحقيقة ، إذ بالفكر وحده الذي يعتمد المحسوس لا يبلغ الإنسان هذه الحقيقة.
والطيب ما تطيب به النفس من كريم الأخلاق لبلوغ القصد ، فالأخلاق لا الفكر السبيل إلى الكعبة حيث الوجود الإلهي ، وقوله : (يا أُولِي الْأَلْبابِ) يعني أولي القلوب لا أولي العقول ، لأن اللب باطن الشيء وجوهره ، وجوهر الإنسان لطيفته المودعة فيه ، والتي يعد الفكر آلة من آلاتها وقوة من قواها لا العكس.
١٠١ ، ١٠٢ ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللهُ عَنْها وَاللهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (١٠٢))
[المائدة : ١٠١ ، ١٠٢]