١٧ ، ١٨ ـ (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٧) وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ (١٨))
[الأنعام : ١٧ ، ١٨]
العلم والمشيئة والقدرة من الصفات الإلهية ، ولا يتحرك القلب إلا بداعية ، والدواعي منه سبحانه هو مقلب الأفئدة ، وعليه فالإنسان آلة لله ووسيلته للتنفيذ ، ولهذا كان من تمام التوحيد أن تشهد أن النفع والضر منه تعالى ، وأنه هو الضار النافع ، وأن ما أصاب الإنسان هو من عند الله وفي كتابه المسمى اللوح المحفوظ ، وإيمان كهذا يجعل الإنسان في راحة ، يتقي الله حق تقاته ، ويتوكل عليه في غدوه ورواحه وكسبه وكدحه وجهاده ، فما شاء الله كان ، ومشيئة الإنسان هي تحقيق المشيئة الإلهية ، وإرادته إرادته ، وتقلب الفكر داخل ضمنا في مجال كل يوم هو في شأن.
فهذا العالم الظاهر هو مسرح الله الفعلي ، فعند الإنسان لا تقف ، نافعا كان فعله أم ضارا ، وتجاوزه إلى الله وتوكل عليه ، واعلم أنه ما اختار الله من قدر للإنسان إلا كان اختياره صلاحا للإنسان ، وأن البلاء كثيرا ما يكون مثل مبضع الجراح ، وأن الله يريد بالعباد اليسر ، ولا يريد بهم العسر ، وهو القائل سبحانه : (وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) [البقرة : ٢١٦].
١٩ ـ (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللهِ آلِهَةً أُخْرى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (١٩))
[الأنعام : ١٩]
الوحي الصوت الذاتي الباطن للإنسان ، وبدؤه نور الهدى أو الضمير ، وهو في أعلى درجاته وحي علمي لدني يعلم الإنسان ما لم يعلم ، وهذا الوحي هو الذي قال القرآن.
والإنسان يتقلب عادة بين الخواطر ، فتارة يكون مع خاطر السوء ، وطورا مع خاطر الشك ، وهو يظل يتذبذب بين الشك واليقين ، والكفر والإيمان والأنانية والغيرية ، وهذه كلها آلهة أخرى جعلها الإنسان شريكا لله في الملك ، في حين يأبى التوحيد شهود إله غير الله ، وهو واحد متصف بالكمال والجمال قاهر فوق العباد خيرا وشرا بإذنه.
٢٠ ، ٢١ ـ (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٢٠) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (٢١))
[الأنعام : ٢٠ ، ٢١]
الكتاب بعض ما يوحي الضمير ، ولهذا كان من النصارى قسيسون ورهبان إذا سمعوا كتاب الله يتلى خشيت قلوبهم وفاضت أعينهم من الدمع ، وعلموا أن القرآن حق ، وأن محمدا حق.