الوجود الحق وأن عاقبة المكذبين الموت ، قال سبحانه في موضع آخر : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام : ١٢٢].
١٢ ـ (قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٢))
[الأنعام : ١٢]
الرحمة هنا وجودية شاملة لكل موجود ، وفي الحديث القدسي ورحمتي سبقت غضبي ، فالغضب الإلهي عارض ، والرحمة أصيلة سابقة وهي صفة الرحمن الذي منح الوجود للمعدوم ، ويوم القيامة مثله المشاهدة ، والمشاهدة مقام فيه يرى المشاهد الناس في القبضة ، هي نورهم ، وهم مظاهر صفاتها ، ولهذا وصف هذا المقام بالجمع.
١٣ ـ (وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣))
[الأنعام : ١٣]
السكن بمعنى حل أولا ، وبمعنى هدأ ثانيا ، أي كف عن الحركة ، وهذا من حاصل كشف الفعل حيث يشاهد الموجود متحركا بالنور الأصيل لأن قيامه أصلا به ، فالحركة لله ، والتحريك لله ، والمحرك بفتح الراء هو المخلوق ، ولهذا شاهدت الصوفية الناس في قيامتهم الصغرى أمواتا أو كالأموات محمولين على عرش الرحمن ، قال البسطامي لما بلغ المقام : رأيت الناس موتى فكبرت عليهم أربع تكبيرات.
١٤ ، ١٦ ـ (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٤) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٥) مَنْ يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ (١٦))
[الأنعام : ١٤ ، ١٦]
الإطعام من الله وبالله إذ له سبحانه المعقولات ، ولو لا الله ما كانت المعقولات ولا قبلها الإنسان على أنها كذلك ، كما أنه ما كان ليقر بأن الخير خير وأن الشر شر ، وأن الجمال جميل في نظر الجميع ، وأن العدل صفة مطلوبة بالفطرة حتى لدى الأطفال ، وعلى مدى التاريخ ما اختلف الناس في معقول أو في صفة جميلة كالحلم أو الكرم أو العفو ، وهي جميعا ما قلبت لو لا الله ولو لا أنه جعلها مقبولة وركزها في القلب ركزا ، ولكان الناس قد رغبوا عنها إلى غيرها ، فقالوا مثلا الحلم جبن ، والكرم حمق ، والعدل ضعف ، والقانون هو القوة ، والشريعة هي شريعة الغاب ، ولقد طرح هذه الشعارات بعض الناس حينا من الدهر ، ولكنها لم تلق من المجتمعات الإنسانية قبولا ، فالإنسان مفطور على حب ما اتصف به الله من صفات ، وهذه سنة الله في خلقه ، ولن تجد لسنة الله تبديلا.