الحجاب ، فإن الهلاك يكون هو الحجاب نفسه ، إذ لا ضلال أضل من البعد عن الله وإنكاره.
وقوله : (وَأَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ) يعني إعادة شحن الدائرة الإلهية بتعينات لأسماء إلهية جديدة ترجح كفة الإيمان ثانية ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، سبحانه إذا أراد أنفذ.
٧ ـ (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧))
[الأنعام : ٧]
الآية توضح أن الإيمان والإلحاد مسألة لا علاقة لها بالفكر ، والآية تقول إنه حتى وإن أوتي الكافرون دليلا مبينا ما كانوا ليؤمنوا ، ذلك لأن الإيمان نور يجعله الله في القلب ، وليس هو حاصل تفكير ، ولهذا كانت المفكرون فريقين مؤمنين وكافرين.
٨ ـ (وَقالُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لا يُنْظَرُونَ (٨))
[الأنعام : ٨]
الملك كشف البينة ، ونزوله بمثابة كشف التضاد الذي يثبت أن التضاد لله ، وأنه به يعرف ، وبظهور سر التضاد يرجع كل شيء إلى الوحدة الجامعة التي لا تبقي ولا تذر ، وقال فيها التستري إن للربوبية سرا لو عرف لبطل العلم ، وإن للعلم سرا لو عرف لبطل العمل ، فالله أخفى سر التضاد لحكمة ، والحكمة فلق المعقولات نفسها بالظلمات والنور.
٩ ـ (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً وَلَلَبَسْنا عَلَيْهِمْ ما يَلْبِسُونَ (٩))
[الأنعام : ٩]
الملك الروح المتعين المتكثر ، والجعل جعلان جعل من جهة المعقولات وجعل من جهة التعينات ، وكل معقول صفة ظاهرها الإنسان ولهذا قال سبحانه : (وَلَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً ،) فعلى هذا ليس في الوجود إلا الله ومعقولاته الظاهرة بالخلق ، وهذه الحقيقة الجامعة هي ما يقف عندها الكافرون محجوبين ، فهم يرون المظاهر ، ولا يرون الظاهر ، فيكون ما يرون لبسا عليهم فيضيعون.
١٠ ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١٠))
[الأنعام : ١٠]
الإحاقة إلاحاطة ، وذلك لأن الكافر هو بدوره اسم من أسماء الله ، وقال الضحاك إن للكافر حفرة في النار يكون فيها ولا يعلم ، فالكافر مأخوذ بناصيته ولا يدري ، فالإحاقة حكم الإنسان بالعين أي بالصفة الباطنة
١١ ـ (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١))
[الأنعام : ١١]
الخطاب موجه إلى الموحدين الذين بلغوا مقام اليقين أو الإحسان وصاروا يعبدون الله كأنهم يرونه ، وعبادتهم هذه علمية ذوقية تريهم أن الخلق أشباح وهياكل وآلات ، وأن الله هو