إن وقوع القتل والموت على صورة الجسم كقطع الرمان والتفاح ، فكل ما كان منه حلوا أصبح شراب الرمان ، وكل ما كان غصنا لم يعد صوت كسره.
٢٧ ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (٢٧))
[الأنعام : ٢٧]
النار الحجاب ، وكشفها كشف حجاب الفعل ، فالله هو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد يكشف الحجاب ساعة قبض النفس ، فإذا صاحبها يرى حقيقة الأمر ، وأن الله قريب ، وأنه هو الهوية ، وأنه لا إله إلا الله ثم لات حين مناص.
٢٨ ـ (بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ (٢٨))
[الأنعام : ٢٨]
العودة إلى ما نهوا عنه العودة إلى حكم الاسم ، فلكل إنسان اسمه ، والاسم كلمة ، ولا تبديل لكلمات الله ، والله خص كل نفس باسم في الكتاب أو اللوح المحفوظ ، ولا مجال لشطب ما خط من قدر في الأزل.
٢٩ ـ (وَقالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (٢٩))
[الأنعام : ٢٩]
الإيمان بالحياة الدنيا دون الآخرة حاصل إلهام الاسم البعيد الذي يوسوس في الصدر أن لا إله إلا الطبيعة ، وأنها الخالقة ، وأن الإنسان فيها وحيد ، حر ، عليه أن يتصرف ، وأن ولادته وحياته وموته مصادفة بدأت من عدم ، ثم صارت وجودا ، ثم ارتدت إلى عدم.
٣٠ ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَلَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَرَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠))
[الأنعام : ٣٠]
الرب المرتبة الثالثة للذات الإلهية التي لها المرتبة الأولى وهي في حال كونها صرفة مطلقة وسميت العماء كما جاء في الحديث ، ثم المرتبة الثانية وهي الألوهية ، وهي ربط المألوه بالإله ، وهي فلك الكليات المعقولات ، أي فلك الغيب والروح ... ثم تأتي المرتبة الثالثة التي هي الربوبية ، وهي ربط المربوب بالرب ، وهي فلك الحسيات المادية الظاهرة حيث تقتضي الربوبية وجود المربوب لتفعل فيه ، وتؤثر بأسمائها التي هي أسماء الأفعال كالرازق والمحيي والمميت والهادي المضل.
والوقوف على الرب وقوف القلب على الرب الذي هو القبضة ، فالوقوف رمزي معنوي ، يعلمه الله باطنا لأن له مرتبة الرب ، ولا يعلمه العبد ظاهرا لأن مرتبة المربوب تقتضي حرية الإرادة والبعد عن الله والتردد بين الخواطر وهو ما رمز إليه بهبوط آدم وزوجه من جنة القرب ،