٥٧ ، ٥٨ ـ (قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ ما عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفاصِلِينَ (٥٧) قُلْ لَوْ أَنَّ عِنْدِي ما تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَاللهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ (٥٨))
[الأنعام : ٥٧ ، ٥٨]
سأل المجرمون النبي صلىاللهعليهوسلم أن يأتيهم بالعذاب كما قال ، وكان جواب النبي لو أن عندي ما تستعجلون به لقضي الأمر بيني وبينكم والمعنى أن النبي ما عنده إلا العلم بالأسماء ، وللأسماء أجل محتوم ، فلا يجوز أن يطغى فريق من الأسماء دون فريق ، لأن قوام كل فريق الفريق الآخر ، ولهذا تحدثت الصوفية عن ارتباط العلة بالمعلول ، والمعلول بالعلة ، وقالوا : لو لا طلب المعلول لعلية العلة ما ظهرت علية العلة ولا فعلت ، وكذلك لو لا علية العلة ما وجد المعلول ولا تحرك ، فالأمر بين ظاهر وباطن ... ثم إن العمليات نفسها متناقضة وهي في الوقت نفسه مترابطة ، والعالم هو الله ظهورا ، وما في العالم من اختيار هو اختيار الله فلا فصل ، بل لا وجود للعالم حقيقة بل وجود الله وظهوره هو الحقيقي ، وعلى هذا فكيف يأتي الله أمرا هو ضد ما هو موجود في العالم؟ ولهذا قالت الآية : (لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ) أي لطوي الأمر الوجودي نفسه ، إذ بظهور العذاب الذي هو نصر لفريق دون فريق يكون خراب عالم الأسماء نفسه وبالتالي يكون خراب الوجود.
٥٩ ـ (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ (٥٩))
[الأنعام : ٥٩]
مفاتح الغيب علم الوجود ، فما دام الحق باطن الوجود وعين الأعيان فهي هو ، وهي مفاتح بمعنى فتح الوجود الإلهي نفسه ، فالعلم هنا بين مطلق ومقيد ، والمطلق كونه في الصميم ، أي بالقوة ، أي في البذور ، أي مطوي مرتق ، والمقيد هو انتشار العلم عن طريق تعينات الأسماء ، فيأخذ كل اسم حقه من الوجود وينتشر ما فيه من علم ، وعلى هذا فالله عليم بالوجود ، لا يعزب عنه مثقال ذرة تكون في صخرة أو في الأرض أو في السماء ، وكيف يعزب عنه علم شيء وهو العين الجامعة ولها آلات السمع والبصر والكلام التي تصلها بعالم العيان؟
٦٠ ـ (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٦٠))
[الأنعام : ٦٠]
الوفاة بالليل دخول النفس في كثافة عالم العناصر وخضوعها للشهوات فالوفاة هنا البعد عن الله والنفي من حضرته ، وهي هنا مثل هبوط آدم من جنة القرب والمعرفة ، والنهار بدء يقظة