دون الجوهر ، أي إلى الشطر القابل من الإنسان ، وكل إنسان ظاهر هو الوجه القابل ، إذ أن الله ما خلق هذه القوابل إلا ليفعل بها ويظهر ، والقابل سلبي ، بعيد عن عالم الغيب ، مقرون بعالم العناصر مرتبط به ، وهو ليس بملك ، لأن الملك شفاف لطيف أي هو باطن العالم الكثيف.
وقوله سبحانه على لسان نبيه : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) هو إشارة إلى باطن النبي أي حقيقته ، أي الروح منه ، أي عالم اللطافة والنور ، وهذا العالم هو الفاعل والموجب والعليم والحكيم ، والعالمان موجودان في الإنسان الذي فضل على المخلوقات ، وسجدت له ملائكة المعقولات ، ولما كان النبي الإنسان الجامع الكامل فتعينه تعين فرد ذلك النوع الجامع أو الإنسان الكلي ولهذا أمر المسلمون بالاقتداء برسول الله ، لأنه لهم مثال وقدوة ومثل يحتذى.
٥٢ ـ (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢))
[الأنعام : ٥٢]
الخطاب موجه إلى الوجه القابل من النبي وهو النفس أو الفكر ، وكان المشركون قد اشترطوا ، على النبي أن يبعد الفقراء والأعبد عنه ليجالسوه هم ، ووافقهم النبي طمعا في كسبهم وإسلامهم ، فنزلت الآية محذرة ، فليس عند الله فقراء وأغنياء ، وكبراء وصغراء ، بل الكل عبيد لا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، ورب أشعث أغبر ذي طمرين مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره ، فالنبي هنا متعلم ، ومعلمه العلام الأكبر الذي هو جزؤه النوراني العظيم ، قال جلال الدين الرومي : (فمنا كان السؤال ومنا كان الجواب).
٥٣ ـ (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣))
[الأنعام : ٥٣]
الفتنة إظهار الكليات ، ولا كليات من غير فتنة ، إذ بالتناقض ظهرت الكليات ، ولو لا البخل ما ظهر الكرم ولا عرف ولا قوم ولا خلد طيء ، وقال الإمام الغزالي : لو لا خلق البهائم ما عرف شرف الإنس.
٥٤ ، ٥٦ ـ (وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥) قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (٥٦))
[الأنعام : ٥٤ ، ٥٦]
عمل السوء بجهالة إجابة خاطر النفس الذي تكون له الغلبة والتأثير في البداية فيستجيب الإنسان له ظانا به ظن الخير ، حتى إذا خط الله في القلب كلمات الإيمان انتبه القلب وصحا وتاب من ذنبه وأناب.