قضية إلا بعد وجود القضية نفسها ، فلو لا الخلاف بين الناس ما كان من حاجة إلى وجود القضاء ورجاله من قضاة ومحامين ، فوجود الظلم سبب لوجود العدل وتحققه.
١٠٨ ـ (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٠٨))
[الأنعام : ١٠٨]
قوله سبحانه : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) فيه متابعة لما ورد في الآية السابقة ، وعبر عن هذا الموقف الوجودي قوله صلىاللهعليهوسلم : (انشقت اليهود عن إحدى وسبعين فرقة ، وانشقت النصارى عن اثنتين وسبعين فرقة ، وستنشق أمتي عن ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا ما أنا عليه وأصحابي) ، فالرسول صلىاللهعليهوسلم علم مسبقا ومن قبل الوحي بمصير الإسلام في المستقبل ، وبكونه سبحانه هو الذي شاء انشقاق الأمة الإسلامية عن الفرق وذلك بقصد المخالفة أولا والمدافعة ثانيا وإخراج المقتضيات المعقولات والحقائق ثالثا.
١٠٩ ـ (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠٩))
[الأنعام : ١٠٩]
الله عليم بمصير الكافرين والمشركين فقال وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون ، ذلك لأن طبع القلب وحكمه بالاسم مسبقا حتى من قبل نفخ الروح في الجنين يعني الأخذ بناصية القلب يمينا وشمالا بإذن الله ، وفي هذا التفريق متابعة لما ورد في الآيات السابقة.
١١٠ ـ (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (١١٠))
[الأنعام : ١١٠]
القلب عرش الرحمن ومركز انتشار الأشعة النورانية ، فالقلب هو الأداة الحقيقية التي استوى بها الرحمان على عرش الوجود ، وما دام الحق هو الملك فهو مقلب القلب ، وكان قسم النبي صلىاللهعليهوسلم : (لا ومقلب القلوب) ، وقال : (القلب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء) ، وفي مجال التقليب قال صلىاللهعليهوسلم : (وما يدريني أن القلب مثل ريشة في الفلاة تقلبها الريح كيف تشاء؟) وسبب هذه الملكية المتصرفة في القلب غير ذات الحدود كون الإنسان آلة الحق ووسيلة للظهور ، وسميت هذه الآلة ناسوتا ، وكان الحق فيها لا هوتا فعن العبد لا تسل ، واسأل عمن سكن القلب بلا كيف ، ووجهه وقدره بالكيف ، فصار القلب محل الكيف ، والكيف من الوسائط التي استوى بها الحق على الظهور.
وقوله : (وَأَبْصارَهُمْ) فيه عطف على تقليب الأفئدة ، فالبصر تابع للبصيرة والبصر ليس إلا آلة للبصيرة ، لذلك كان المحسوس هو الذي يصاغ في قالب المعقول لا العكس ، فبين الإيمان