ولهذا جاء في الآية : (فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ ،) أي أن الإبصار متعلق بالنفس ، وهو للنفس ، إذ لا وجود إلا لهذه النفس التي إن تجلت ذاب الجزء في الكل.
وقوله : (وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها) ذو علاقة بالذات الجزئية أيضا التي إن عميت ، أي ظلت في عمى عن رؤية الذات الكلية ، فالنتيجة وبال عليها وبقاؤها في سجن الجزء ، وهي حجاب كثيف قاتل.
١٠٥ ، ١٠٦ ـ (وَكَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ وَلِيَقُولُوا دَرَسْتَ وَلِنُبَيِّنَهُ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (١٠٥) اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦))
[الأنعام : ١٠٥ ، ١٠٦]
اتهم النبي عليهالسلام بأنه درس الكتب القديمة ونقل أخبارها ، وقالوا إنه دارس أهل الكتاب من اليهود والنصارى فعلم ما علم منهم ، وكانت حجة الله عليهم أن النبي كان أميا لا يقرأ ولا يكتب ، ثم إن ماورد في القرآن فيه نقد كثير لأخبار الأمم الماضية وتصحيح لما ورد في كتبهم ، لقد جاء في القرآن مثلا أن إبراهيم ما كان يهوديا ولا نصرانيا بل حنيفا مسلما ، وكلمة مسلم لم ترد في كتب سابقة للقرآن ، كما جاء في القرآن ما حدث للمسيح حيث قال إنه ما قتل وما صلب ، بل توفي ورفعه الله إليه ، وأنه شبه لشانئيه وقاتليه ، كما ورد ذكر من سبق من قبل اليهودية والنصرانية كقصة ذي القرنين ، وقيل إنه الاسكندر الذي فتح العالم ، وكان عهده في أيام الوثنية ، وقصة العبد الصالح الذي التقاه موسى ، وما كان يهوديا ، والأعجب أن تحريف اليهود للتوراة ظل ساريا حتى زماننا هذا حيث حدثت الاكتشافات الأثرية وأهمها اكتشافات إيبلا التي تحدثنا عنها سابقا ، ويبقى السؤال إذا كان النبي قد دارس أهل الكتاب ، ودرس ما كان لديهم من كتب ، فكيف جاء النقد القرآني لأهل الكتاب وتحريفهم الكتب موافقا للاكتشافات الأثرية ، ولما ذا كان القرآن وحده هو الذي اتهم أهل الكتاب بتحريف ما أنزل الله من كتب؟ ومعلوم أن النبي ما كان مؤرخا ولا عالما بل كان تاجرا ينتقل بين الأمصار قبل نزول الوحي عليه ، والجواب الوحيد لهذا الموقف القرآني الفريد كونه موحى من الله العليم العلام الذي لا يخفى عنه علم شيء.
١٠٧ ـ (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (١٠٧))
[الأنعام : ١٠٧]
قوله سبحانه : (وَلَوْ شاءَ اللهُ ما أَشْرَكُوا) مثل قوله في موضع آخر : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ) [البقرة : ٢٥١] ، والمعنى أن الشرك من فعل الله ، والحكمة من وجوده إثارة قضية التوحيد ، فالشيء بنقيضه يعرف ، والإنسان لا يتخذ موقفا من