الإنسان ففعله من باب الندب والواسطة ، وإلا فكيف أوتي المخلوق القدرة على الحركة والتحريك وهو أصلا جماد ميت؟
١٠١ ، ١٠٢ ـ (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢))
[الأنعام : ١٠١ ، ١٠٢]
لا صاحبة للحق ، فالصاحب صنو الأصل وتوأمه ، فمتى كان لواجب الوجود واجب وجود آخر مثله؟ فكل ما صدر عنه هو قابل كما قلنا ، والقابل تابع وعبد لا صاحب ، ولهذا جاء في الآية أن الله خالق كل شيء بدءا من العقل ومرورا بالنفس الكلية والنفوس الجزئية والعالم المنظور.
١٠٣ ـ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (١٠٣))
[الأنعام : ١٠٣]
لا تدرك الأبصار الحق لأنه نور خالص ، وإذا كانت العين آلة بصر الإنسان فالحق إنسان هذه العين ، وقال السهروردي في الإبصار : إدراك المرئي راجع إلى الشعاع الروحي الذي يفيضه العقل الفعال على النفس دون تدخل من العين ودون أن يخرج منها أى شعاع إلى المرئي ، أو يصدر عن المرئي شعاع إليها ، وكانت قضية الإبصار قد شغلت الفلاسفة والعلماء وزمنا طويلا ، واختلفوا في هذه القضية حتى بتتها الصوفية ، والمهم القول إن آلية الإبصار روحية ، وبهذا يتحقق فعل الروح في الجسم ، وما دام الحق نور البصر فهو يدرك ما يدركه المبصر بداهة ، أما جهل المبصر الحق فسببه القبول والانفعال لا العكس ، ثم إن النور الفاعل أعلى من فلك إدراك الفكر وآلاته ، وقال الإمام الغزالي واصفا هذا النور : المراد ليس النور الذي كالشعاع ، ولا النور الذي هو مادة ، ولا كنور البصر ، ولا كنور الشمس ، ولا نور العقل ، ولا نور العلم ، وإنما النور الذي تظهر به الأشياء ، وتقوم به الأشياء ، وتعرف به الأشياء ، وهو نور لا يوصف بالكثافة والتجسم ، ولأن هذا النور هو الأول فلقد استحال على الثاني ومن تلاه مد العينين إليه ، ولهذا نهى صلىاللهعليهوسلم عن محاولة التفكير في ذات الله ، واتفقت علماء الصوفية على أن للبصيرة الإنسانية العارفة حدا لا تتعداه لمعرفة ذات الله تعالى ، ولما سئل صلىاللهعليهوسلم عن الروح جاءه الوحي مجيبا عن السؤال : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) (٨٥) [الإسراء : ٨٥].
١٠٤ ـ (قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (١٠٤))
[الأنعام : ١٠٤]
البصائر الإلهية إشراق النور الإلهي في الذات ، أو هي ظهور الذات الكلية للذات الجزئية ،