كونه سبحانه رب كل شيء موضوع عالجته الصوفية وعلى رأسهم ابن عربي الذي أنشد قائلا:
لقد صار قلبي قابلا كل صورة |
|
فمرعى لغزلان ودير لرهبان |
وبيت لأوثان وكعبة طائف |
|
وألواح توراة ومصحف قرآن |
أدين بدين الحب أنى توجهت |
|
كائبه فالحب ديني وإيماني |
فكونه سبحانه رب الصور يعني أنه لا توجد صورة خارجة عنه معنى كونه تعالى الآخذ بناصية كل دابة ، وفسرت الصوفية كيف يعبد المشركون وعبدة الأوثان الله من خلال عبادتهم الأوثان ، لأن كل ما يعبدونه صور ، والله رب الصور ، ومن هذه النظرة الجبروتية لا يكون في الوجود من موجود غير موحد ، لأن كل موجود يتصرف بدواعي القلب غريزة وفكرا ، والله رب الدواعي.
١٦٥ ـ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٦٥))
[الأنعام : ١٦٥]
الخلائف أغصان شجرة الإنسان الكامل الذي هو الخليفة الأول ، ولقد سمي الصديق ، لمّا توفي رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، خليفة رسول الله ، فلما توفي قال عمر لما تولى الخلافة من بعده أأكون خليفة خليفة رسول الله؟ هذا أمر لا آخر له ، وعدل عن هذا اللقب وأطلق على نفسه لقب أمير المؤمنين ، فالخلافة إذا واحدة ، وهي لآدم عليهالسلام أصلا ، ولمحمد صلىاللهعليهوسلم باعتباره النور الأول ، ثم الأنبياء والأولياء ، وعلى هذا فلا يكون في الأرض خليفتان معا ، بل واحد بعد واحد.
هذا على مستوى القطبية والجمع ، أما الفروع فلقد سماها الحق خلائف ، فهم بمثابة معاونين للخليفة الأول ، ولهذا تابعت الآية قائلة : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) [الأنعام : ١٦٥] ، وهذا الرفع تقتضيه حقيقة الأسماء ذاتها ، إذ من أسمائه تعالى الرافع الخافض ، والهرم الوجودي يقتضي أن يكون بعض فوق بعض ، كما قال سبحانه في موضع آخر موضحا القصد من هذا التنظيم الوجودي : (لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا) [الزخرف : ٣٢] ، وقال الإمام الغزالي : كما أن فداء أرواح الإنس بأرواح البهائم وتسليطهم على ذبحها ليس بظلم ، بل تقديم الكامل على الناقص عين العدل ، فكذلك تفخيم النعم على سكان الجنان بتعظيم العقوبة على أهل النار وفداء أهل الإيمان بأهل الكفران عين العدل ، وما لم يخلق الناقص لا يعرف الكامل ، ولو لا خلق البهائم لما ظهر شرف الإنس ، فإن الكمال والنقص يظهر بالإضافة ، فمقتضى الجود والحكمة خلق الكامل والناقص جميعا ، وكما أن قطع اليد إذا تآكلت إبقاء على الروح عدل ، لأنه فداء كامل بناقص ، فكذلك الأمر في التفاوت الذي بين الخلق في القسمة في الدنيا والآخرة ، فكل ذلك عدل لا جور فيه ، وحق لا لعب فيه.