الجزئية الصادرة عن الروح والمودعة الأجساد للتدبير ، فحياتها في هذه الأجساد وكذلك موتها ، أما خروجها فعودة النفوس الجزئية إلى الروح ، وعودة الروح إلى روح الروح ، وهذه العملية الانشطارية مترابطة بحيث لا يكون دخول ولا خروج ولا حياة ولا موت ، بل هي صيرورة في ديمومة حية أزلية يمثلها البعث الدائم.
٢٦ ـ (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٢٦))
[الأعراف : ٢٦]
اللباس لباس التقوى والخلال الحميدة ، وقوله : (يُوارِي سَوْآتِكُمْ) يعني فعلكم الذي فعلتموه في أنفسكم لما ادعيتم أن هذه النفوس لكم بينا هي عوار جمع عارية لله. والتقوى والخلال الحميدة هي حصاد انشطار المعقولات التي علمها الله آدم مسبقا ، إذ جعلها فيه بالقوة ، فلما انتشرت عوالم الذرة المادية انفلقت المعقولات التي منها الخير والجمال ومنها الشر والظلام كقول الملائكة بعد خلق آدم : (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة : ٣٠]. فبنو آدم فعلوا الخير والشر اللذين كانا شيئا واحدا ، ثم تجلى أولو الفضل بالخير لما تميز عن الشر كما قال سبحانه في موضع آخر : (حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) [آل عمران : ١٧٩] ، فكانت النتيجة أن ظهر في العالم أصحاب اليمين الذين هم على أرائك الصفات الجميلة متكئون ، والذين كانوا مشيئة قوله تعالى كما جاء في الحديث : (إن الله عزوجل خلق آدم ، ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية فقال هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية فقال هؤلاء للنار ، وبعمل أهل النار يعملون).
٢٧ ـ (يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧))
[الأعراف : ٢٧]
الخطاب موجه إلى المتقين الذين اتقوا الله في أنفسهم وصفاتهم وأفعالهم ، فردوها جميعا إلى الله ، في حين ظل أصحاب النار محجوبين وحجابهم خواطرهم الفاسدة ، ومصدرها الشيطان وقبيله الذين يقولون للإنسان قل أنا وأنا في حين لا وجود للأنا إلا من حيث كونها مظهر الأنا الخالصة.
٢٨ ـ (وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٢٨))
[الأعراف : ٢٨]