الأنا ، ولا خروج من هذه البئر التي ألقي فيها يوسف إلا بالمغفرة الإلهية والرحمة ، وهما نور يجعل في القلب يهديه سواء السبيل
٢٤ ـ (قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (٢٤))
[الأعراف : ٢٤]
قوله : (اهْبِطُوا) بصيغة الجمع بدليل أن الخطاب وجه إلى آدم وزوجه بصيغة الجمع أي الكثرة ، فالخطاب وجه إلى آدم أولا بصيغة المفرد ، ثم وجه إلى آدم وحواء بصيغة المثنى ، ثم وجه أخيرا بصيغة الجمع ، فالخطاب بصيغتي المفرد والمثنى هو خطاب من الذات الصرفة إلى الذات الصرفة أولا ، ثم خطاب من الذات الصرفة إلى الذات المتكثرة عن طريق النسب والاعتبارات والإضافات ، فالخطاب كله إلهي ، إذ ليس من موجود حقا إلا الحق ، ولكن الحق كان في عماء كما وصفه النبي صلىاللهعليهوسلم قبل خلق الخلق ، والعماء سحاب رقيق وهو في تأويلنا عالم الذرة والسديم الأول ، ثم تكثف الذر بعد الانفجار العظيم ، وفضت معقولات الذات عن طريق الانشطار الذاتي عن طريق التضاد والتناقض ، ولهذا جاء في الآية السابقة قوله سبحانه : (وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ ،) أي شجرة الحياة التي هي شجرة المعرفة.
فالتكثر إذن ضروري لانشطار الذات الجامعة وفض خاتم المعقولات الصرفة ، ولهذا قال سبحانه : (اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ،) وقوله : (وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ) يعني غياب المعقولات الإلهية في عالم المادة إلى أن يتم انشطارها أيضا بالتناقض ، وهذا الانشطار والتفليق أشبه بتلقيح الرياح للنبات ، كما قال سبحانه : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ) [الحجر : ٢٢].
والحقيقة أن هذه الزوجية هي ما تحدث عنها الفيثاغوريون الذين قدمنا شرحا لنظريتهم الوجودية العامة ، وكيف أن الحد الذي يعد هنا آدم هو الذي يدخل في اللامحدود الذي هو حواء ، فيبدأ من ثم الوجود في التفاعل عن طريق الفعل والانفعال.
فإذا قالت لك نفسك قولا ، فجورا كان أم تقوى ، فاعلم أن آدمك المخلوق على المثال الإلهي يحفزك على الفعل ليتم تحقيق المعقول المكنون فيك من ساعة نفخ الروح فيك ، والمعقول المودع فيك اسم من أسمائه تعالى ، وهو قضاؤه فيك وقدره ليتم شحن الدائرة الوجودية بالمعقولات ، وهذا يفسر كون الإيمان بقضاء الله خيره وشره من أركان الإسلام الخمسة.
٢٥ ـ (قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (٢٥))
[الأعراف : ٢٥]
لا حياة للروح إلا بالمادة ، ولا مقوم للمادة إلا الروح ، ولهذا وجه الخطاب إلى النفوس