وقال صلىاللهعليهوسلم : (من عرف نفسه عرف ربه) ، وكل العبادات والدعوة إلى التفكير في خلق السموات والأرض والتأمل الذي هو بمثابة استبطان الذات تؤدي جميعها إلى تسليط الضوء على عالم الإنسان الجواني حيث يمكر إبليس فيحدث الإنسان ويحركه ، ويظن الإنسان أن الصوت صوته ، والحديث حديثه ، وما الصوت صوته بل هو وسوسة واستدراج والسوأة محل الفعل والانفعال من الإنسان ، ولهذا فسرت بالقبل والدبر ، والفعل والانفعال من المقولات العشر التي هي وسائط بين الحق والخلق ، ويتحقق الفعل والانفعال بداعي الشهوة سببا لاستمرار الحياة ، فالإنسان فان وهو يبدأ رحلة الموت منذ ساعة الميلاد ، والنسل وحده يحفظ استمرار الحياة والنسل قوامه الشهوة ، وهذا ما أدركه آدم وحواء من حديث إبليس لما قال : (أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) ولهذا القول معنى ، فلقد قلنا إن آدم هو العقل الكلي وليس العقل الفعال ، وقلنا إن هذا العقل هو الفكر ، والفكر ليس خالدا ، وليس ملكا بل هو نائب العقل الإلهي وممثله ، وقالت الصوفية : إن هذا العقل الذي هو قوة من قوى الروح الحيواني ينفخ في الجسم بعد أن يبلغ الجنين أشهرا معدودة من العمر ، فالعقل الآدمي إذا مادي ، أي له ارتباط بالدماغ ، ولا يعمل دونه وإن كان هو الفاعل فيه ، ولقد حاول العلماء الغربيون جهدهم أن يصلوا إلى كشف مفاده أن الجسيمات المادية في الخلايا العصبية في الدماغ هي التي تنتج بتصادمها فكرا فلم يستطيعوا البرهان على ذلك ، والصوفية وحدهم ، ومن قبلهم النبي صلىاللهعليهوسلم القائلون بارتباط الروح الحيواني ومعه الفكر بالبدن ، ولا وجود له دونه وهو ، وإن كان فاعلا فيه محتاج إليه ، فلا وجود لهذا دون ذاك ، ولا حركة للجسم من دون الروح ، وقال صلىاللهعليهوسلم : (كلكم لآدم وآدم من تراب).
فآدم عليهالسلام ممثل الجنس البشري ، واستمراره أي خلوده مرتبط باستمرار وجود الجنس البشري نفسه ، ولهذا تقول الفلاسفة أن لا وجود للعقل الكلي أو النفس الكلية إلا كتجريد غير موجود حقيقة وهذا صحيح إذا حاولنا فصل الكثرة عن الوحدة ، والظاهر عن الباطن ، ولهذا شددت الصوفية ، وعلى رأسهم ابن عربي على ضرورة الربط بين الظاهر والباطن من الخلق.
هذا من آدم الفكر ، أما زوجه فهي النفس القابلة السماعة لحديث الفكر ، وهذا حال يعيشه كل إنسان ، ويسمى في الأدب والنقد وعلم النفس المونولوج الداخلي ، فما من موقف فكري أو نفسي يعيشه الإنسان إلا ويدور فيه حوار ذاتي بين فكره الآدمي ونفسه حواء. وعلى هذا فآدم وحواء جميعا هما الفرد.
٢٣ ـ (قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣))
[الأعراف : ٢٣]
ظلم النفس حطها من درجتها الإلهية إلى البشرية ، وانغماسها في الشهوات وتلبية رغبات