آبائهم ، وخلق النار ، وخلق لها أهلا ، وخلقها لهم وهم في أصلاب آبائهم) ، وقال العارف بالله عبد القادر الجيلاني : الله يسمى المضل كما يسمى الهادي ، فالعارف متحقق بصفة الهداية ، والعاصي متحقق بصفة الضلال ، وهما أمام الحق سواء.
٣١ ، ٣٣ ـ (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣))
[الأعراف : ٣١ ، ٣٣]
الخطاب موجه إلى بني آدم فقط ، وقليل ما هم ، إذ تفيد التسمية أن يكون المخاطب من الفريق الذين شملهم التعليم الذي علم الله آدم وهو علم الأسماء الحسنى ، وهذا العلم نادر خص به الله عباده المصطفين أزلا ، وهؤلاء هم الذين أمروا بأن يأخذوا زينتهم عند كل مسجد ، والزينة التخلق بالأخلاق الإلهية وتعلم علومه التوحيدية.
وقوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) يذكر بقول العارف ذي النون المصري : العالم من لا يطفئ نور علمه نور ورعه ، وللأمر لطيفة ، ذلك أن الاطلاع على العلوم الإلهية يحل الإنسان المتأله من كثير من القيود ، وقال ابن عربي في هؤلاء : أباح لهم التصرف فيما كان حجره عليهم ، وقالوا : إن للعارف حق التصرف في ملك ربه الذي صار إليه ، وكل ما في الوجود ملك له ، فللعارف الحق في أن يأكل ويشرب من أي اسم شاء ، ومع هذا فإن أخلاق العارف التي كانت المدخل أصلا إلى علوم الروح ، والتي هي أخلاق إلهية كما قال سبحانه في وصف أخلاق النبي : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) [القلم : ٤] ، هذه الأخلاق هي التي تجعل العارف لا يسرف في استخدام حقه في التصرف في الملك الوجودي ، ولهذا عرف العالم بأنه من لا يطفئ نور علمه نور ورعه ، فمن يفعل غير هذا فليس بعارف ، قال ابن معاذ : إذا ترك العارف أدبه عند معرفته فقد هلك مع الهالكين.
٣٤ ـ (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ (٣٤))
[الأعراف : ٣٤]
الأمة هنا ممثلة في الإنسان الكامل الذي هو جامع للجمع والفرق ، أو الحق والخلق. وقال ابن عربي : الإنسان الكامل نوع والأنبياء والأولياء أفراد هذا النوع ، ولقد سمي سبحانه إبراهيم أمة بعد بلوغه مقام الجمع ، فالإنسان عند وصوله إلى المقصد الأسنى هو الإنسان الجامع ، يجمع الأمة في شخصه ، فيحقق ماهية النوع ، وأنشد ابن عربي قائلا :