يكون عالما ، ومن هذه الكلمات ما ورد على لسان إبراهيم نفسه لما كان يبحث عن الله فوجده خارج الأين ، فالطريق الإبراهيمي طريق علمي كان فارسه المجلي محمد صلىاللهعليهوسلم.
أما الذرية فهي إشارة إلى الجمع والتفريق ، فلقد دأب الناس على خص من خص بالرسالة من الحق بأن يكون النسل تابعا لهم ، وهو أمر ترفضه الرسالة نفسها ، إذ الأمر ليس مشروطا بالنسل ، وكنا قد تحدثنا عن أن التوحيد ديانة عالمية علمية ، والبدهي ألا ينحصر في الذرية نفسها أي النسل ، ونجد مصداق ذلك في الكتب السماوية أن ابن نوح لم يكن من أهله ، أي من معدنه وأنه خرج عليه لما دعاه ليأوي إلى الفلك بعد الطوفان ، والكلام تنبيه إلهي لنبي الموحدين إبراهيم عليهالسلام ، علما أنه سبحانه كرم ذرية إبراهيم مثل إسحاق ويعقوب وإسماعيل عليهمالسلام.
١٢٥ ـ (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥))
[البقرة : ١٢٥]
البيت إشارة إلى القلب بعد تطهره من الاثنينية ، أي من القرين الذي يشاطر الإنسان مسكنه والمثابة بمثابة إيواء طالبي الحقيقة ، ولهذا كان الحج بمثابة ولادة جديدة للإنسان قال صلىاللهعليهوسلم : (من حج فلم يفسق ، ولم يرفث ، رجع كيوم ولدته أمه).
واتخاذ مقام إبراهيم مصلى الوصول إلى عين الجمع التي ينفجر ماؤها في القلب فيتوحد التضاد ، وهذا ما عبرت عنه الآية بأن مقام إبراهيم هو مصلى ، والعهد الذي أعطي لإبراهيم وإسماعيل هو حدوث الأمن الذي يحصله القلب بعد فراغه من هم التضاد ، فإبراهيم هنا مقام الروح الهادي ، وإسماعيل مقام القلب المهدي ، فهذا منور بذاك ، ولهذا كانت صلة الروح بالقلب مثل صلة الوالد بولده في الولادة والتنشئة والرعاية ، وتطهير البيت طهارة القلب الواصل ، وعبر عن هذا بالركوع والسجود ، وهما الخضوع لله تعالى قبلة المصلي الحقيقية.
١٢٦ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦))
[البقرة : ١٢٦]
البلد الآمن والرزق انفتاح طاقة الروح في القلب ، وبدء عملية التعليم الإلهي اللدني ، فمن آمن بهذا الضرب من التعليم فاز ، ومن كفر ، أي ظل الحجاب مضروبا بينه وبين الروح ، فهو يتمتع قليلا في البداية ، وذلك في بحثه عن الحقيقة وركوب طريقها عن طريق الحس والعيان ، ثم يصير إلى عذاب النار ، والنار الحجاب الحقيقي.
١٢٧ ـ (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧))
[البقرة : ١٢٧]