خلقت هذه العلوم لأظهر.
١٤٥ ـ (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥))
[الأعراف : ١٤٥]
الألواح ما خط في اللوح المحفوظ أزلا منذ بدء تكثف الذر حين كان سديما أول. فكل ما يقع على مسرح العيان مقدر أزلا ومطوي. والألواح ذاتها العلوم الإلهية التي مفتاحها الأخلاق ، لأن الأخلاق وحدها هي التي تضطر القلب إلى الجهاد ، والجهاد وحده هو الذي يفتق المعقولات المرتقة المطوية.
وقوله : (وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها) يعني أخذ أسماء الجمال بعد المرور على جهنم أسماء الجلال ، إذ لا مدخل إلى النور إلا من كوة الظلام ، ولا مغفرة ولا توبة إلا بعد الوقوع في الخطيئة. قال صلىاللهعليهوسلم : (كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون). فكل مقدور محسوب ، وهو في علمه تعالى خيرا كان أم شرا ، وما عند الله إلا الخير.
وقوله : (سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ) يعني معرفة الجانب السلبي من الأسماء وهي أسماء البلاء والنقمة ، ومعنى (سَأُرِيكُمْ) يعني أن عملية تفتيق المعقولات ذاتها هي التي تميز الخبيث من الطيب ، فيعلم الخبيث ثم يعلم الطيب ، ويصير صاحب الأسماء عالما علامة حبرا خبيرا بمعادن الناس وأسرار النفس البشرية كما سمى الإمام الغزالي أحد فصول كتابه «الإحياء» عجائب القلب. وما نجاح الأنبياء والأولياء الكمل اجتماعيا ودينيا إلا بسبب علومهم التي أحاطت بكل شيء علما ، وأعطت كل ذي حق حقه من العلم واليقين.
١٤٦ ـ (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦))
[الأعراف : ١٤٦]
إبعاد الكفار والمنافقين عن جنة المعارف ، لأن هؤلاء خلقوا أصلا لإتمام عملية التعلم ذاتها ، وهم ضرورة للتفتيق.
١٤٧ ـ (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧))
[الأعراف : ١٤٧]
عند ظهور نور التوحيد يضمحل الشر ودوره ، وذلك بحكم كونه أداة للتحريك كما سبق أن قلنا. ولهذا جاء في الآية وصف الكافرين بأنهم : (حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ) والموحدون والفلاسفة توصلوا إلى إماطة اللثام عن حقيقة الشر ، فنفوا وجوده ، وردوه إلى الخير ، وذلك لقيام حقيقته