المؤمنين ، فالخاطر المؤيد يثبت القلب ، ويبعث فيه الحماس ، في حين أن الخاطر المحبط يحدث الأثر العكسي ، فإذا الكافر هلوع جبان ، قد أخذ من باطنه من قبل أن يؤخذ من ظاهره ، ولا أدل على فعل خاطري التأييد والإحباط مما حدث حين التقت جيوش المسلمين الفرس والروم في معارك القادسية وحطين واليرموك ، وكيف فرت الفرس والروم مهزومين ، وكيف تحقق قوله تعالى : (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) [البقرة : ٢٤٩] ، حتى أنه ورد في كتب التاريخ أمثلة على شجاعة الإيمان لا تكاد تصدق ، فلقد حدث أن حوصر المسلمون بقيادة خالد بن الوليد أكثر من مرة ، فكان خالد ينتقي من جيشه رجالا فرسانا ، ولا يزيد عددهم عن أربعين ، كانوا يحملون على الأعداء حملة بطل واحد ، فيفتحون ثغرة في صفوف العدو ، ثم يتبعهم المسلمون ، وقالوا الفرق بين الشجاعة والجرأة أن الشجاعة من القلب وهي ثباته واستقراره عند المخاوف ، وهي خلق يتولد من الصبر وحسن الظن ، كما أن الجبن يتولد من سوء الظن وعدم الصبر ، وأصل الجبن من وسوسة النفس بالسوء ، وينشأ من الرئة ، فإذا ساء الظن ، ووسوست النفس بالسوء ، انتفخت الرئة ، فزاحمت القلب في مكانه ، وضيقت عليه ، حتى أزعجته عن مستقره ، فأصابه الزلزال والاضطراب لإزعاج الرئة له وتضييقها عليه ، ولهذا جاء في حديث عمرو بن العاص الذي رواه أحمد وغيره عن النبي صلىاللهعليهوسلم : (شر ما في المرء جبن خالع وشح هالع) ، فسمى الجبن خالعا ، لأنه يخلع القلب عن مكانه لانتفاخ السحر وهو الرئة ، كما قال أبو جهل لعتبة بن ربيعة يوم بدر : انتفخ سحرك ، فإذا زال القلب عن مكانه ضاع تدبير العقل ، فظهر الفساد على الجوارح ، فوضعت الأمور في غير مواضعها.
٤٨ ، ٤٩ ـ (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَقالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ عَلى عَقِبَيْهِ وَقالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللهَ وَاللهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٨) إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٤٩))
[الأنفال : ٤٨ ، ٤٩]
الإشارة إلى مزاحمة الخواطر القلب ، ومصارعة القلب خواطره ، فإذا الخاطر الشيطاني يزين للقلب فعل أمر معين ، فإذا حدث الأمر تبين للقلب سوء عمله ، فعاتب خاطره ، فتنصل الأنا من الأنا ، وتبقى ال (أنا) وحدها حائرة لا مغيث لها ولا معين.
وفي قول الشيطان : (إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ ،) عودة إلى حقيقة الشيطان واسمه الذي هو الاسم البعيد ، وقالت الصوفية في الشيطان : إنه مجبور في إغوائه ، وكنا فصلنا القول في ضرورة وقوع التفريق ليحدث التفتيق ، وفي ضرورة حدوث البعد ليتم القرب ،