وفي ضرورة غشيان عالم الظلمات ليستبين دور النور ، قال جلال الدين الرومي في «المثنوي» : الشيطان يسعى ليربي الإثم فينا وبذلك الإثم يدفعنا إلى الهاوية ، وحينما يرى أن هذا الإثم قد أصبح طاعة تمر به ساعة لا بركة فيها ، ويقول : ألا فلتدخل ، لقد فتحت الباب من أجلك ، إنك تبصق علي وأنا أتحفك بهدية ، فإن كنت أعطي مثل هذا لصاحب الجفاء ، فماذا أنا واهب صاحب الوفاء؟
٥٠ ، ٥٢ ـ (وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٥١) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ (٥٢))
[الأنفال : ٥٠ ، ٥٢]
التوفي قبض النفس الجزئية وإلقاؤها في بحر النفس الكلية ، فالوجه حقيقة الإنسان أي أناه ، وضرب الوجه قبضه ، والأدبار حقيقة الفكر الذي هو جوهر الإنسان فإذا هذا الفكر بعد القبض جزء من فكر إلهي عام كما قال هيغل ، وهذا الفناء هو ما أشير إليه في الآية بالحريق.
٥٣ ، ٥٦ ـ (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٥٣) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كانُوا ظالِمِينَ (٥٤) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (٥٥) الَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (٥٦))
[الأنفال : ٥٣ ، ٥٦]
النعمة نعمة الاسم الذي يتولى القلب ، ومن أسمائه تعالى المنعم ، فما أنفق الكريم إلا بفضل جود الله ، ولا حلم الحليم إلا من عفو مولاه ، وكل الفضائل البشرية هي من بحر جود الكرم الإلهي.
وتغيير النعمة مرتبط بتغيير ما بالنفس ، وللأمر لطيفة ... فالمتباهي بكرمه هو سارق للعارية الإلهية ومدعيها لنفسه ، وبذلك يكون قد فقد جوهر العطاء وهو ألا تعلم شمال الإنسان ما أنفقت يمينه ، فلا يبلغ المتحلي بأسماء الجمال الكمال إلا بتحققه من حقيقة ما تحلى به ، وإعطاء المولى حقه من الشكر والثناء ، قال صلىاللهعليهوسلم لأشج عبد القيس : (إن فيك لخلتين يحبهما الله الحلم والأناة) ، فقال أشج : أخلقين تخلقت بهما أم خلقين جبلت عليهما؟ فقال صلىاللهعليهوسلم : (بل خلقين جبلت عليهما) ، وقال أشج : الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما.
٥٧ ، ٥٩ ـ (فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (٥٧) وَإِمَّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ (٥٨) وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا