إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ (٥٩))
[الأنفال : ٥٧ ، ٥٩]
الحرب قد تنبه القلب من غفلته فيعيد حساباته ، وإذا كان من أصحاب التوفيق والهواية حدث التنبيه وأغيث القلب وأنجد.
٦٠ ، ٦٢ ـ (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (٦٠) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦١) وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢))
[الأنفال : ٦٠ ، ٦٢]
رباط الخيل مثل آلة الروح الحيواني الذي هو روح عالم المادة ، وهذا العالم ملك الله ، واستثمار قواه جزء من واجب الإنسان الذي وهب هذه الدابة الكونية ليتم أمر الله في تعرفه إلى الإنسان ، ومن دون دابة لا سبيل إلى ركوب طريق الحقيقة ، وبلوغ مكة الصدر الجامع ، والطواف ببيت الله العتيق من نار التضاد ، قال الإمام الغزالي في وصف هذا الروح : الروح الحيواني جسم لطيف يبدو وكأنه سراج مضيء وضع بداخله ، الحياة ضوؤه ، والدم دهنه ، والحس والحركة نوره ، والشهوة حرارته ، والغضب دخانه ، والقوة الطالبة للغذاء الكامنة في الكبد خادمه ، وحارس هذا الروح لا يهتدي إلى العلم ولا حق الصانع ، وإنما هو خادم أسير بزيادة الحرارة ، ولو ينقص ينطفئ بزيادة البرودة ، وانطفاؤه سبب موت البدن.
٦٣ ـ (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٦٣))
[الأنفال : ٦٣]
ينبه الله نبيه على حدود دوره الذي هو الدعوة لله ، وما له من الأمر شيء ، إذ لما باشر عليهالسلام الدعوة للإسلام أجابه من أجابه ، ورده من رده مثل عمه أبي جهل ، ولما كان أصل الحكم للأسماء كان خيار الناس في الجاهلية هم الذين لبوا دعوة النبي صلىاللهعليهوسلم مثل أبي بكر وعلي وعمر وبقية الصحابة رضي الله عنهم ، ولما كانت الأسماء لله فالله سبحانه هو المؤلف بين القلوب ، إذ الكريم يحب الكريم ، والجميل يحب الجميل ، والصادق يحب الصادق ، وينسحب هذا الحكم حتى على الكافرين.
وقوله : (عَزِيزٌ حَكِيمٌ) يعني أن الله عزيز لا يدرك إلا من بعد تعرف الأسماء الآدمية كما قال الإمام التلمساني : قدس ذاته تنزهت عن أن ترى بغير برقع الأسماء والصفات ، فلا سبيل إلى تعرف الله من غير تعرف أسمائه ، وأما حكمته فتتجلى في كون تعريف أسماء الجمال يدل على حقيقة اتصافه سبحانه بالجمال ، فإذا تم دفع ثمن هذا التعرف جاء اليقين ، فتعرف الإنسان