تعزف موسيقى هذه الحرب على جميع الأصعدة وفي كافة المجالات ... في عالم العناصر والجماد والنبات والحيوان وأخيرا الإنسان.
فلا وجود بلا صراع ، ولهذا قال سبحانه : (كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) [مريم : ٧١] فكأن الله هو الذي قضى على نفسه بحتمية الصراع هذه ونجد عبر التاريخ كثيرا من النقاد حاولوا الطعن على الإسلام لدعوته الجهادية هذه ، قائلين : إن الإسلام انتشر بقوة السيف لا بنور المحبة كما فعل المسيح ، وما علم هؤلاء أن الإسلام دين جامع للأديان كافة ، وخاتم لها ، وأنه انضوى تحته كل الأنبياء ، وأنه نصب صرحا وجوديا ضخما أساسه الأرض وسماؤه السماء ، وأن أرضيته يحكمها قانون الصراع الوجودي الحتمي الذي لا بديل له ، وأن سماءه السّلام ، وهو من نوع السّلام الذي دعا إليه المسيح ، بل هو جوهرة تاج ذلك السّلام.
٩٣ ، ٩٨ ـ (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَطَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٩٣) يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكُمْ إِذا رَجَعْتُمْ إِلَيْهِمْ قُلْ لا تَعْتَذِرُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكُمْ قَدْ نَبَّأَنَا اللهُ مِنْ أَخْبارِكُمْ وَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٩٤) سَيَحْلِفُونَ بِاللهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦) الْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٩٧) وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ ما يُنْفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوائِرَ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨))
[التوبة : ٩٣ ، ٩٨]
الطبع كائن في الأزل ، وهو ما عبر عنه عليهالسلام بقوله : (إن الله عزوجل خلق آدم ، ثم مسح ظهره بيمينه ، فاستخرج منه ذرية فقال : هؤلاء للجنة ، وبعمل أهل الجنة يعملون ، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية ، فقال : خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون) ، ونجد الآيات السابقة تتحدث عن هذا التفريق ، وكنا قد أوردنا مثالا للتفريق الأزلي سورة المنافقون ، كما أفضنا في الحديث عن دور الصراع الوجودي وحتميته التي تقتضي وجود فريقين متضادين ، فالصرح الإلهي قائم إذن على هذا التضاد ، ولما كانت صفة الله العدل ، علما أنه لا يتوجب عليه شيء ، فإن هذا العدل هو الذي جعل النار ، بردا وسلاما على إبراهيم ، كما جعل النار من جنس طبيعة الكفار الفاسقين ولهذا قال الضحاك : إن للكافر حفرة من النار يكون فيها ولا يعلم ، وأصحاب الصفات يعيشون هذه الحقيقة ، إذ البخيل ليس بخارج عن بخله ، وكذلك الفاجر والجبان ، فهذه كلها بمثابة حفر في النار يعيش أصحابها فيها ولا يعلمون. فالنار نار