٣ ـ (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ ما مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣))
[يونس : ٣]
الأيام الستة أيام إلهية فهي لا تدخل في نطاق الزماكان ، وتحديد زمان هذه الأيام مستحيل لأنه سبق أن تحدثنا عن نسبية الزمان الإنساني ، وأن هذا الزمان لا علاقة له بالزمان الإلهي ، ولا يمكنه تصوره.
والاستواء على العرش الاستواء على الوجود الظاهر استواء فاعلا قادرا قاهرا ، ولا يعلم هذا إلا المكاشفون ، وهم يرونه بعين البصيرة وعن طريق الوحي نفسه ، ولهذا تبعت الآية السابقة التي تحدثت عن الوحي.
٤ ـ (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ (٤))
[يونس : ٤]
قوله : (إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ) يعني الآن لا في المستقبل ، إذ القول هنا محيط ، وهو من قبيل الإحاطة الإلهية بالأحداث الجزئية ، وهو من جنس القهر الإلهي للخلق ، إذ يفيد معنى الرجوع الاستواء الرحماني نفسه.
وقوله : (إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ) يعني عملية التشخيص النورانية الظاهرة في أعيان الممكنات ، فالاسم استوى في العالم الظاهري شبحا ظاهرا واستواؤه ابتداء ، وعودته الاسم من الجسم الفاني إلى عالم الصور ، ثم استواؤه في ظهور عياني آخر هو معنى العودة ، فالعملية سيرورة في صيرورة ، وصيرورة في تجسيد للانهاية الإلهية التي هي مجموع هذه النهايات الآخذ بعضها برقاب بعض كما حلقات السلسلة ، لا بداية لها من نهاية عند النظر ، تحقيقا ، إلى هذا المشهد العظيم.
٥ ـ (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥))
[يونس : ٥]
الشمس الذات ذات النسب والإضافات ، وهي الحقيقة المحمدية الجامعة المنتشرة في الاتجاهات ، وممثلها في الأملاك جبريل الروح الأمين الذي لما ظهر للنبي سد الأفق ، والقمر قمر الصفات المنتشرة فهو النفس الكلية التي تقبل من الشمس الضياء ، وتعكسه نورا في الأسماء المتشخصة ، وتقدير القمر منازل إشارة إلى الأسماء ذاتها ، إذ الأسماء منازل ، وأعلاها درجة أسماء التنزيه ، ثم تليها أسماء التشبيه التي تنقسم إلى أسماء جمال وأسماء