الأمة الواحدة الجوهر الواحد الذي تفرعت منه الكثرة ، هذا الجوهر فيه الأسماء بالقوة وهو كتلة نورانية صادرة عن الذات الصرفة ، وهي ما سماها الإمام الغزالي المطاع ، والاختلاف تفتق الأسماء ، وبحكم تضادها حصل الاختلاف فالاختلاف مقدر أزلا ، إذ الشيء بضده يعرف.
والكلمة التي سبقت وعد إلهي بتخصيص أجل لدورة الأسماء ، إذ لا بد للاسم من أن يأخذ أبعاده ، ويمارس إمكاناته ، حتى إذ استنفد ما عنده ، ظهر غيره تعينا لحقيقته وإتماما لتحصيل الحاصل.
٢٠ ـ (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (٢٠))
[يونس : ٢٠]
تتم الآية ما جاء في الآية السابقة وهو أن لكل شيء أجلا ، ولظهور النبي أجل وميقات ، كما قال سبحانه في موضع آخر : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا) [الأعراف : ١٤٣].
٢١ ـ (وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْراً إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ (٢١))
[يونس : ٢١]
سبق وتحدثنا عن المكر الإلهي ونضيف قائلين إن ممثل الاسم الواحد أو الاسمين هو الإنسان ، فإذا مكر القلب فبحكم ما يعطي اسم الماكر مثلا أو المذل أو المنتقم ... في حين أن لله الأسماء جميعا ، فهو المتصرف في الأسماء أي الخواطر ، فيأتي الله القلب من باب خواطره نفسها ، فيمكر به من حيث لا يعلم ، فيظن الإنسان أن مكره مكره في حين أن لله المكر ، لأنه هو الجبار والقاهر ، ولا نفاذ لحكم ولا مشيئة إلا به وعن طريقه ، فبالمكر الإنساني تحقق المكر الإلهي ، فكان المكر الأول ظهورا للمكر الثاني ولو لاه ما كان للمكر الثاني أن يظهر ، فالناس يرون الأحداث ، ويظنون أنها أحداث خارجية بشرية ذات أسباب ، والعارفون يرون كل شيء من الله ، ولهذا قال الصديق : (ما رأيت شيئا إلا رأيت الله قبله).
وقوله : (إِنَّ رُسُلَنا يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ) يعني كيف يكون القلب في القبضة ، إذ القلب وعاء المعنى ، وهو الجسر بين المعنى والمبنى ، وهو وعاء الجزء ، ولما كان لله المعنى والمبنى ، وكان له الجمع ، كان نشاط الجزء جزءا من نشاط الكل ، وما الجزئي إلا تحقق الكلي فافهم.
٢٢ ـ (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنا مِنْ هذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ (٢٢))
[يونس : ٢٢]