وقد يكون باطنا مستورا كما كان كثير من أعلام الصوفية ، ومن أجل هؤلاء الخلفاء خلق الله الوجود باطنا وظاهرا ، إذ بهم وفيهم يرى الله نفسه وأسماءه وصفاته ، وبواسطتهم يتم عرض القوى والإمكانات ، ولهذا جاء في الحديث : (خلق الله آدم على صورته ... أو على صورة الرحمن).
١٦ ، ١٧ ـ (قُلْ لَوْ شاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (١٧))
[يونس : ١٦ ، ١٧]
النبوة أمر عظيم ما تزال رقاب العباد لها خاضعين ، وقد أوردنا من قبل أمثالا أعلاما علماء هم ورثة الأنبياء كما عرفهم رسول الله ، وبينا كيف أن الغزالي وجلال الدين الرومي مثلا ظلا حتى سن الأربعين فقيهين عاديين ، فإذا هم بعد الكشف وبلوغ اليقين قد صارا علمين عالمين ، ومثلين عظيمين في تاريخ التصوف وعلوم الدين ، أما النبي فلقد ظل حتى قربت الأربعون رجلا عاديا تاجرا يتجر بمال زوجه خديجة ، فإذا هو يتحول من ثم إلى إنسان خارق ونبي محمل برسالة آمنت لها الملايين عبر القرون ، وإذا أقواله أمثال سائرة في الحكمة دنيا وآخرة ، وإذا الشريعة التي جاء بها رسالة جامعة خالدة استنبطت منها العلماء فقها ما يزال بحرا تغرف منه الأمم عبر العصور وعن هذه النبوة ، ومن مشكاة النبوة ، تحدثنا نحن في كتبنا ، ووضعنا تفسيرنا هذا ، داعين الناس في كل زمان ومكان إلى الرجوع إلى الفطرة الإنسانية التي أودعها الله كنوزه من العلوم مذكرين بأن ثمة مصدرا آخر للعلم والمعرفة هو بين أيدينا باستطاعتنا البحث عنه وكشفه والاستفادة منه فنكون بهذا قد حققنا غاية الله من خلقنا ، والله سبحانه هو القائل : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) [العلق : ١ ، ٥].
١٨ ـ (وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِما لا يَعْلَمُ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (١٨))
[يونس : ١٨]
قوله : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) يعني أن عابدي الصور يعلمون أن ما يعبدونه هو وسيلة إلى الله ، وأن الله هو الخالق البارئ الفاعل ، وأن هذه المعبودات هي للشفاعة فقط.
١٩ ـ (وَما كانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً واحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيما فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٩))
[يونس : ١٩]