لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤))
[يونس : ٤٣ ، ٤٤]
النظر إلى النبي النظر إلى نوره ، وهذا النظر هو النظر الحقيقي ، إذ حقيقة الإبصار روحية ، والروح مسببها ، لاكما حاولت العلماء أن تفسر سبب الإبصار بالضوء الصادر عن الشيء المبصر ، أو النور الصادر عن العين نفسها ، إذ كلا العين والشيء المبصر مادي عرضي لا جوهري ، وكلاهما قائم بالأصل وهو الروح.
وعليه فالمؤمن يرى النبي بنور الإيمان كما قال سبحانه في وصف المؤمنين : (نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) [التّحريم : ٨] ، ولما كان النبي صلىاللهعليهوسلم سيد المؤمنين بل سيد الخلق ، كان وجهه نورا ، ولما كان المؤمن ذا قلب منور رأى ببصيرته ثم ببصره وجه النبي المنور ، فصدق به ، وآمن واتبعه ، أما الكافرون فهم أصحاب حواس لا غير ، وحواسهم مظلمة ، وهم إذا رأوا النبي لم يروا إلا وجهه الظاهر كما قال له أبو جهل : تبا لك ألهذا جمعتنا؟ ولهذا وصف سبحانه هؤلاء بأنهم ينظرون ولكنهم لا يرون الحقيقة التي هي النور فهم عمي لا يبصرون.
٤٥ ـ (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥))
[يونس : ٤٥]
الحشر حشران معجل ومؤجل ، فالمعجل هو دائم بحكم كون الناس في القبضة والله بهم محيط ، وبأمره تكون الأشياء والصفات والأفعال ، فالكل بسبب الإحاطة والأمر محشورون ، والحشر المعجل عودة متشخصات الأسماء إلى التجريد الكامل بعد انفكاكها من أسر التعينات ، وهذه العودة خارجة على نطاق الزمان والمكان لأنه ما إن يخلص الاسم من تعين حتى يدخل في تعين ، لأن الاسم لا يكون اسما إلا بالتعين ، واسم من غير تعين لا وجود له ، لأن الصفة تقتضي الموصوف مثلما الموصوف يقتضي الصفة.
أما الحشر المؤجل فهو انتهاء دورة الزماكان الوجودية التي بدأت بانفجار السديم الأول ، فتشخصت الأجرام على جميع المستويات حتى إذا استوفت الدورة أجلها أي زمانها النسبي انفجرت الأجرام ، فعادت سديما أول كما كانت ، واستراحت الدورة الكونية إلى أن يحين موعد دورة جديدة.
٤٦ ـ (وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦))
[يونس : ٤٦]
الرؤية هنا رؤيا ، وهي خاصة بالكشوف الصوفية ، وفيها يرى المكاشف كيف تخلص الصورة من المادة ، فتكون صورة خالصة معلقة في عالم الخيال المنفصل ، وهذا ما تراه