قوله : (ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ) يعني عدم قدرة الكافرين على سماع صوت الضمير ، فالسمع هنا سمع ذاتي جواني ولهذا سمي ضميرا ، والكافر محروم منه لأنه محجوب.
وكذلك الإبصار ، إذ أصل البصر البصيرة ، وهي النظر بالنور الإلهي إلى الناس كقوله تعالى : (وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) [الأنعام : ١٢٢] والكافر محروم أيضا من هذا النور الهادي الذي يرى المؤمن به ما لا يراه الكافرون ، وسمي هذا الفراسة ، قال صلىاللهعليهوسلم : (إتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور ربه).
٢٥ ، ٣٥ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧) قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ (٢٨) وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٣٠) وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ (٣١) قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (٣٥))
[هود : ٢٥ ، ٣٥]
قلنا من قبل في نوح : إنه الاسم الظاهر الإلهي مثلما إن آدم الاسم الباطن ، وإن نوحا جامع الأسماء الحسنى ، فهو كلي الذات وصل مرتبة الأفق الأعلى وسدرة المنتهى ، فهو تعين الإنسان الكامل الذي هو ابن آدم وخليفة الله.
وظهور الخليفة الإلهي يقابل برفض من الناس وبخاصة الكافرين والمنافقين ، ونرى قوم نوح قد أصروا على عدم تصديقه ، وأن دعواه بأنه نذير من الله لا أصل لها لأنهم لا يرونه إلا بشرا مثلهم.
وتعين الإنسان الكامل بشري بالطبع ، إذ كل تعين معناه الظهور في جسد كما حدث للنبي صلىاللهعليهوسلم الذي كان نورا خالصا كما يقال في الآذان عادة إنه أول خلق الله ، وقوله مخاطبا جابرا : (أول