والسير بالأهل بقطع من الليل رقي القلب في سماء المعارج حيث ليل الروح ساد وهيمن وبسط سلطانه على العالمين.
وقوله : (إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) يعني اطلاع القلب كشفا على فناء النفس الحيوانية والجزئية وغرقها في يم النفس الكلية.
والصبح صبح اليقين الأدوم حيث يفيق القلب من سباته فإذا الصباح قد أشرق ، وإذا أنواره ملأت الأفق العريض.
٨٢ ، ٨٣ ـ (فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (٨٢) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (٨٣))
[هود : ٨٢ ، ٨٣]
أمر الله الكشف الذاتي الماحق الذي يجرد العالم العياني من لباسه فإذا هو عريان كما عراه العلم الحديث ، فأثبت أن ليس في هذا العالم من أصول إلا ذرات وذريرات" فوتون" هي ضوء لطيف أصله ذر لطيف هو نور لطيف تكثف. وسبق أن قلنا إن العالمين أدينغتون وجينز قالا : إن الطبيعة النهائية للكون هي طبيعة عقلية صرفة تشكل بنية المادة الأساسية.
٨٤ ـ (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (٨٤))
[هود : ٨٤]
المكيال والميزان يمثلان وجهي وشطري الحق والخلق ، فمن جهة فالكون هو حق باعتبار الحق أصلا وأساسا ، ومن جهة فالكون خلق باعتبار الخلق ظهور الحق. وهذا القديم والمحدث ، واللانهائي والنهائي ، والثابت والمتحول والسرمدي والفاني هو ما شكل بنية الوجود كوجود مطلق رمز إليه بالمكيال.
٨٥ ، ٨٦ ـ (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ (٨٦))
[هود : ٨٥ ، ٨٦]
الوزن بالقسط النظر إلى الوجود بعيني وجه الحق الخلق. فلا تطغى عين وحدها لأن الإنسان يطغى إذا نظر إلى الوجود كطبيعة لا خالق لها وعدّها هي البداية بذاتها وهي الخالق وهي خالقة قوانينها ، كما أن الإنسان يطغى إذا فصل بين الله والخلق ، وجعل الله بعيدا في السماء عن الأرض والخلق ، وجعله تنزيها صرفا كما فعل أرسطو وأشياعه الذين شبهوا الله بحاكم مدينة ليس له من الأمر إلا الإرشاد والتوجيه.