بدء ورود الواردات الإلهية من الرؤى الصادقة على إبراهيم القلب المنور الذي جعل يجادل في قوم لوط الذين يمثلون خواطر القلب ، وكان جواب الله أن الله معذب هذه الخواطر وذلك برد أنيتها إليه هو ، ونفيها بظهوره هو لها.
٧٧ ـ (وَلَمَّا جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَقالَ هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ (٧٧))
[هود : ٧٧]
السوء الذي وقع برسل الله موقف الخواطر من الواردات الإلهية ، حيث تشكك فيها وفي مصدرها وفي كونها حقا اليقين الثابت والحق الذي لا مرية فيه.
٧٨ ـ (وَجاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ قالَ يا قَوْمِ هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (٧٨))
[هود : ٧٨]
قوم لوط إشارة إلى أفكاره وقد استغاثته على الواردات الطارقة الماحقة ، فكان جوابه : (هؤُلاءِ بَناتِي) أي المعقولات التي ولدها عقلي وفكري ، وهن طاهرات لأنهن لم يمسسن من قبل العالم الخارجي حيث الفكر استنتج واستخرج واستنبط هذه المعقولات بجهده وحده ، وذلك بتجريد الصور العيانية من العيان نفسه وتصييرها صورا مجردة تامة هي ملك القلب والخيال الإنساني نفسه.
٧٩ ـ (قالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ ما لَنا فِي بَناتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ (٧٩))
[هود : ٧٩]
رد الخواطر بأنها لا علاقة لها بالمعقولات ووجودها ، ومتى كانت الخواطر تقيم وزنا للمعقولات .. بل إنها لا تحس وجودها وإن حضرت ما عدا الفلاسفة الذين يستخدمون هذه المعقولات وفق أساليب شتى تفضي إلى نتائج مختلفة يخالف بعضها بعضا.
٨٠ ـ (قالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ (٨٠))
[هود : ٨٠]
ضيق الصدر بالخواطر ووجودها فيه واحتلالها له طوعا أو كرها فيتمنى العارف أن يأوي إلى ركن شديد يحميه من أذى هذه الحرب التي أعلنت على القلب منذ ساعة خلقه.
٨١ ـ (قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (٨١))
[هود : ٨١]
جواب المبشرات ونجدتها القلب في محنته حيث تكف عنه أذى خواطره وذلك بأن تريه رأي البصيرة كيف أن الخواطر لا تتجاوز أفقا محدودا هو الأفق البشرى ، وأن لا طاقة لها على بلوغ القلب المصطفى الذي رقى أفق الروح والعقل الفعال فبدأ يطلع الغيب وعلمه.