ورود النار إحكام الحجاب ، وفرعون رمز الأنا المحجوبة ، وورود النار ليس نتيجة بل هي بداية وهي أيضا نهاية ، وبدؤها ارتداد الإنسان أسفل سافلين منذ إطلاقه صرخة استهلال الحياة عند ولادته. فالحياة الطبيعية كلها حجاب ، وما لم يشق الإنسان هذه السجف ويخرج إلى فلك ربه فإنه في نار البعد دائما وأبدا.
١٠٠ ، ١٠١ ـ (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَحَصِيدٌ (١٠٠) وَما ظَلَمْناهُمْ وَلكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَما أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَما زادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ (١٠١))
[هود : ١٠٠ ، ١٠١]
أوّل السهروردي القرية البدن ، وعلى هذا فأنباء القرى أنباء البدن وحالاته. فالعارف المحقق عالم نفسي وجودي من الطبقة الأولى ، علم تركيب بنية الإنسان ونفسه وقلبه ، وروحه ومدخله ومخرجه ومآله ومستقره ومستودعه ، وهذا ما أوضحته الصوفية ووصفوه في كتبهم ، كما فعل الإمام الغزالي في «إحياء علوم الدين».
وقوله : (قائِمٌ وَحَصِيدٌ) يعني أن مصير العلم الكشفي شعبان أو عينان ، عين يرى بها المكاشف الناس هياكل للروح الكلي ، وهذا معنى القائم ، أي أن الناس مازالوا أحياء يرزقون يأكلون ويشربون وينامون ويستيقظون ويتزاوجون ، ومع هذا فهم هو لا هم ، فهم هالكون ولا يشعرون ، والحصيد من الحصاد ، أي أن حصاد كل حياة إنسانية هشيم بالنسبة إلى الجزء أي الإنسان الفردي ، في حين أن الوارث هو الله باعتباره الوجود المطلق صاحب الوجود المقيد.
١٠٢ ـ (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ (١٠٢))
[هود : ١٠٢]
قرية البدن مأخوذة من داخلها ، ولهذا سمى سبحانه نفسه الظاهر والباطن .. أما الظاهر فلكون هذه الحواس تديرها النفس الحيوانية التي هي اسم من أسماء الروح الفاعل ، وأما الباطن فلأن الإنسان مخلوق على صورة الرحمن ، فكل ما له هو لله بما في ذلك قواه وإمكاناته ، ولا يعي هذا إلا العالمون.
١٠٣ ، ١٠٤ ـ (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَما نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤))
[هود : ١٠٣ ، ١٠٤]
المجموع الوصول إلى عين الجمع حيث الناس منضوون تحت النوع ، فالنوع واحد وهم كثر ، ثم ينضوي النوع تحت الجنس ، فيقال الجنس البشري وهو واحد أيضا ، فعين الجمع هي العين الجامعة للكثرة فهي واحدة من جهة العقل الكلي ، كثيرة من جهة الأعيان الظاهرة.