وقوله : (مَشْهُودٌ) له علاقة بالجمع والمجموع ، إذ أن المكاشف يرى هذه الحقيقة الجامعة وذلك بعد كشف بصيرته فهو كما قال سبحانه في وصف نبيه : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ) [ق : ٢٢]. فالمشهود من الشهود ، والشهود رؤية الكثرة في القبضة هياكل وأشباحا ، وترى الأرض قد أشرقت بنور ربها ، أي ترى وجه الله ظاهرا في الكثرة ، وتراه من ثم الوارث.
١٠٥ ، ١٠٦ ـ (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦))
[هود : ١٠٥ ، ١٠٦]
تكليم النفس له علاقة بما جاء بالآية نفسها من قوله سبحانه : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ،) فأخذ الله الناس أخذ عزيز مقتدر هو تكليمه سبحانه عباده من بوق الشقاوة والسعادة. وهذا التكليم هو ما وصفه سبحانه في موضع آخر فقال : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٧ ، ٨]. وبالتكليم يكون القهر وحكم الخلق ليتحقق كونه سبحانه القاهر فوق عباده ، وكونه صاحب القبضتين قبضة في الجنة وقبضة في النار.
١٠٧ ، ١٠٩ ـ (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلاَّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (١٠٨) فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ ما يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ (١٠٩))
[هود : ١٠٧ ، ١٠٩]
الشقاء له علاقة بديمومة السموات والأرض ، أي أنه له علاقة بالزمان والمكان وحركتهما وكذلك السعادة. وما دامت السموات والأرض ذات أجل محدود تزول بعد انقضائه ، فإن الأشقياء والسعداء يخرجون من نطاق الخلود في الجنة والنار ، لتبدأ من ثم مرحلة أخرى هي الرحمة العامة التي بها بدئت الفاتحة وافتتحت بها كل سورة في القرآن ما عدا التوبة ، لهذا جاء في الآية قوله سبحانه : (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ).
وكونه سبحانه فعالا يعني صلته بالعقل الفعال الذي هو جوهر ثان متجوهر بالجوهر الإلهي الأول آخذ عنه معط لسواه ، فهو صله الوصل بين الوحدة والكثرة ، وهو بدء التكثر ، فهو أصل صلة الرب بالمربوبين والمربوبين بالرب التي تحدثنا عنها سابقا.
١١٠ ، ١١١ ـ (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١١٠) وَإِنَّ كُلاًّ لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ إِنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١١))
[هود : ١١٠ ، ١١١]