واختلفوا في قراءة هيت لك فقرئت هيئت لك ، وهيت لك بكسر الهاء ، وهيت لك بفتح الهاء ، والأقوى أن تكون قد هيئت له لأنها مخلوقة له أصلا ومن ضلعه ، ولهذا سميت حواء. وجوابه قال : (مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ) يعني أن حفظ القلب المقدر أزلا يظل يعصمه ويحفظه من دواعي النفس وخواطرها ، وهذا معنى القميص الذي ألبسه. والملاحظ أن يوسف قال (رَبِّي) لكون الرب هو المربي وهو الحافظ وهو الروح الحفيظ.
٢٤ ـ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ (٢٤))
[يوسف : ٢٤]
قوله : (هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها) رمز إلى الزواج بين النفس والقلب ، أي إلى التزاوج أو الإتحاد ليتم تفقيس بيض الأسماء وهو أمر طبيعي. وبرهان الرب نور الهدى الذي يحفظ القلب من هيمنة دواعي النفس ، فهو يهم بالإستجابة لداعي الشهوة ولكنه لا يأتيها. وكون القلب يكاد يهم بالضرورة لفهم عالم النفس وهو فهم يعد القلب لفهم عالم الرب كما قال عليهالسلام : (من عرف نفسه عرف ربه). وقال ابن عربي واصفا الأديب : الأديب هو الجامع لمكارم الأخلاق والعليم بسفسافها لا يتصف بها ، بل هو جامع لمراتب العلوم محمودها ومذمومها ، لأنه ما من شيء إلا والعلم به أولى من الجهل به عند كل عاقل.
٢٥ ، ٢٨ ـ (وَاسْتَبَقَا الْبابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٥) قالَ هِيَ راوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (٢٨))
[يوسف : ٢٥ ، ٢٨]
الباب طريق النجاة ، والنجاة تكون بالعلم ، ولهذا نجد في الآية سباقا بين يوسف القلب وزليخا النفس ، فكل منهما يبغي الظفر ولكن بأسلوبه ، النفس بجمع المعلومات عن طريق الحواس والقلب باعتماد إلهام الروح وحده وتوجيهه.
وقوله : (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ) يعني أن النفس تؤثر في القلب في البداية بأن تطبع فيه صور المعقولات من المحسوسات وهذا هو الدبر الذي هو القفا ، والقفا الآخر ، والآخر العالم الحسي بالمقارنة بالعالم الروحي الذي هو الأول.
وقول امرأة العزيز : (ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) هو محاولة إلقاء تبعة الفعل على القلب الذي هو بريء من الفعل ظاهرا وباطنا ، إذ النفس هي الفاعلة فيه ، تطبعه بطابعها ،