الإشارة إلى الحسن الذي تحلى به القلب بعد وصوله إلى عين اليقين ، أي عين الحياة ، وصار مجلى الأسماء الحسنى جميعا. ولهذا جاء في الآية أن يوسف القلب برز لهذه الأسماء الحسنى بعد أن صار مجلى لها ، وصارت له مرآة ، فانعكست الآية. فبعد أن كانت تزينه صار هو لها زينة ، وهذه الزينة من الصور الجامعة لأسماء الجمال هي التي أدهشت الأسماء الممثلة في التعينات ، لأن للاسم حظه عادة من الحسن ، وهو جزء من هذا الحسن. أما يوسف فباحتوائه الأسماء جميعا فقد ظهر فيه الحسن كله ، ولهذا قيل إنه أوتي شطر الحسن ، أي شطر أسماء الجمال جميعا. وبلوغ هذا المقام يرفع القلب إلى سماء ملائكة المعقولات ، ولهذا قالت النسوة : (ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ).
٣٢ ـ (قالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ (٣٢))
[يوسف : ٣٢]
دوام إلحاح النفس على القلب ، وهنا لطيفة تذكر بقوله عليهالسلام : (لكل إنسان قرينه من الجن ، قالوا : حتى أنت يا رسول الله؟ قال : حتى أنا ، إلا أن الله أعانني عليه فأسلم). واختلفوا في قوله فأسلم هل في ضم الميم ، أي أن النبي سلم من أذى القرين ، أم في فتح الميم ، أي أن القرين هو الذي أسلم. والقصة اليوسفية تشير إلى أن يوسف هو الذي سلم من قرينه أي من نفسه ، لا أن نفسه أسلمت .. إذ أن النفس تظل تلح بخواطرها على القلب ، إلا أن القلب الذي بلغ مقام اليقين يصبح في أمان من النفس وخواطرها ، إذ أن كلمات الله لا تبديل لها ، فخاطر السوء يظل كما خلق أمارا بالسوء إلا أن معرفة الموحد للسر القلبي بكشف التضاد يحفظه من هذا الأذى.
٣٣ ، ٣٤ ـ (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ (٣٣) فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٣٤))
[يوسف : ٣٣ ، ٣٤]
تشير الآية إلى أن القلب من غير مدد نور الهداية والعصمة ضعيف أمام النفس لا طاقة له على مواجهتها ورد خواطرها ، وللأمر لطيفة ، إذ لما كان للقلب بابان ، باب إلى العالم الخارجي ومفتاحه النفس ، وباب إلى العالم الداخلي ومفتاحه الروح ، فإن حال القلب يظل رهنا بوضع هذين البابين فمن لم يشرح الله صدره للإسلام لا يسلم ، ومن لم يجعل الله له نورا فلا هادي له ، فالله هو الهادي والمنقذ ، وإلا فالقلب هالك لا محالة وواقع في قبضة الاسم المضل.