٣٥ ـ (ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (٣٥))
[يوسف : ٣٥]
طريق الهداية يقتضي الخلوة التي شعارها في الإسلام غار النبي حراء الذي اعتكف فيه حتى هبط عليه الوحي. فلا مدخل إلى علم التوحيد إلا من غار الخلوة ، وما لم يحبس الإنسان حواسه ونفسه في هذا الغار فلن يتمكن من الولوج في سم الخياط الذي هو سم التوحيد فافهم.
٣٦ ، ٤٢ ـ (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيانِ قالَ أَحَدُهُما إِنِّي أَرانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٣٦) قالَ لا يَأْتِيكُما طَعامٌ تُرْزَقانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُما بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُما ذلِكُما مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٣٧) وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبائِي إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ ما كانَ لَنا أَنْ نُشْرِكَ بِاللهِ مِنْ شَيْءٍ ذلِكَ مِنْ فَضْلِ اللهِ عَلَيْنا وَعَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٣٨) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْماءً سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ ما أَنْزَلَ اللهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٤٠) يا صاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُما فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيانِ (٤١) وَقالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ ناجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْساهُ الشَّيْطانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (٤٢))
[يوسف : ٣٦ ، ٤٢]
الفتيان الفكر والقلب وكل إنسان مكون من هذين الزوجين فكره في رأسه ، وقلبه في صدره. وكشف الخلوة يؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها يوسف بعد دخوله الخلوة ، فأحد الصاحبين قال إنه رأى نفسه يعصر خمرا ، ورأى الآخر أنه يحمل فوق رأسه خبزا تأكل الطير منه ، وكان جواب يوسف وهو من العلم اللدني ، إن الذي يعصر خمرا سينجو ويسقي ربه خمرا ، والخمر ترمز إلى المحبة ، فالسر كله في القلب الذي لا يلج في سم التوحيد إلا بفضل الحب ، ولهذا أعلن ابن عربي أن الحب دينه ووجدانه ، وعبارة يسقي ربه خمرا تشير إلى أن القلب حين يبلغ درجة معينة من النضج العلمي اللدني ينتقل من مرحلة التعلم من العقل الفعّال الذي أشير إليه بالرب في القصة إلى مرحلة أخرى يستغني فيها عن تعليم العقل الفعال ، ويصير هو عقلا قدسيا يمثل مقاما يكون فيه العلم والعالم والمعلوم واحدا ، أي يصير القلب مرآة الله ، هويته هويته ، وأنيته أنيته ، وصفاته صفاته ، وفعله فعله كما قال عبد الكريم الجيلي.