١٩٨ ـ (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ وَاذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (١٩٨))
[البقرة : ١٩٨]
الإفاضة من عرفات حصول المعرفة وهي الكشف العرفاني ، وفيه يشهد الحاج شهودا ذاتيا عيانيا أن لا إله إلا الله ، والمشعر الحرام جبل آخر يلي عرفات ، وذكر الله هناك ذو دلالة ، فالجبل جبلان ذاتي وموضوعي ، فإذا كنت على جبل الذات فأنت هو ظهورا ، وإذا كنت على جبل الموضوع فأنت الظهور نفسه ، فأنت بين الجبلين والتحقق بهذا المقام هو الهدى بعد الضلال ..
١٩٩ ـ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩))
[البقرة : ١٩٩]
الإفاضة العودة إلى الناس بعد إتمام الكشف ، وقد صار المكاشف الموحد العارف المحقق الفرد المفرد.
٢٠٠ ـ (فَإِذا قَضَيْتُمْ مَناسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠))
[البقرة : ٢٠٠]
ذكر الله كذكر الآباء هو ذكر الأصل عند النظر إلى الفرع ، فالأب سبب إيجاد فهو وسيلة ، والأبوان ما يحكمان القلب من أسماء ، إذ لو لا هما لخرج القلب عن فلكه ، والقلب ولد الأبوين ، وهو ما يدعى الطبع أو الميل أو طبيعة الاستعداد ، والمكاشف يعلم علم اليقين أن ذكر الله عند ذكر الميل ضروري ، لأن الله من وراء القصد ، وهو القصد.
٢٠١ ـ (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ (٢٠١))
[البقرة : ٢٠١]
إتيان النعمة الدنيوية الاكتفاء بالتحصيل العلمي الحسي ، وفيه خسران مبين ، لأن الدنيا غير مؤهلة لتحقيق الكشف العلمي الكامل ، وأفقه يتجاوز الحس إلى الروح ... حتى في حال الوصول إلى المعقولات بفعل التجريد الفكري فإن طبيعة الفكر التجريدي نفسه غير مؤهلة لكشف الحقيقة كاملة.
وإتيان النعمة الأخروية الوصول إلى المعقولات ذاتها ، وهي أيضا غير كافية ما لم ينتظم في خيط التوحيد حب المعقولات ذاتها ، فيتشكل العقد الفريد ، وفيه تكون المعقولات في الواحد وبالواحد لا بذاتها ولا لذاتها.