تبوأ نزل بأرض ، وهذا النزول التصرف في الأسماء جميعا بحكم كونها تحت العرش العلمي الذي احتله الإنسان الكامل ، فليس ثمة أسماء جمال وأسماء جلال ، ولا بالتالي رافع خافض ، وضار نافع ، ومعز مذل ، بل الكل للإنسان الإلهي خاضعون ، والنتيجة أن هذا الملك حر في التصرف في رعيته وخيراتها وكنوزها ، ولهذا قال ابن عربي : أباح لنا التصرف في ما كان حجره علينا ، وقال : ما ثم سبب موجب لإباحة ما كان حرم عليه إلا العلم. فالعلم هو الذي يطلق سراح الإنسان من سجن الأسماء فيحتل عرش الأسماء نفسه.
٥٨ ـ (وَجاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٨))
[يوسف : ٥٨]
قلنا إخوة يوسف الأسماء نفسها ، كما قلنا إنه صار قاهرا فوقها لاحتلاله عرش العلم ، ولهذا جاء في الآية : (فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ،) والمعنى أن الجزئي لا يحيط بالكلي ، والقطرة لا تسع البحر ، والنهر لا يحيط بالبحر خبرا ، وكل اسم يمثل جزءا من أجزاء الدائرة الأسمائية لكنه يجهل حكم هذه الأسماء لأن له منظورا جزئيا يرى صاحبه منه العالم ، فيجيز من خلال رؤيته ما يجيز وينكر ما ينكر ، لكن صاحب الرؤيا الجامعة يرى ما لا يراه الآخرون ولهذا فإن رؤياه ورؤيته جامعتان بحكم علمه.
٥٩ ، ٦١ ـ (وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ (٥٩) فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلا تَقْرَبُونِ (٦٠) قالُوا سَنُراوِدُ عَنْهُ أَباهُ وَإِنَّا لَفاعِلُونَ (٦١))
[يوسف : ٥٩ ، ٦١]
الجهاز إعطاء كل ذي اسم حقه من الوجود ، وهذا ما يفعله صاحب الأسماء. ولقد انتقد أعرابي قسمة النبي صلىاللهعليهوسلم للغنائم ، فهمت الصحابة بالتعرض له ، فقال النبي : (دعوه) ، ثم أمر بإرضاء الأعرابي. فما يعلمه النبي لا يعلمه الصحابي ، وما يعلمه الصحابي لا يعلمه التابع ، وما يعلمه العالم لا يعلمه الجاهل.
والأخ الذي طلبه يوسف من إخوته هو الفكر بعد أن استوى وآتى أكله إذ أن رحلة يوسف قلبية ، والقلب غير الفكر ، وما الفكر إلا قوة من قوى القلب وإشعاع له ، ولهذا قال يوسف : (ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ ،) واشترط أن يكون من الأب ، أي من الروح ، والمعنى أن الفكر ابن الروح الذي مثله الأب ، ولهذا قلنا : إن الفكر إشعاع القلب والروح.
٦٢ ـ (وَقالَ لِفِتْيانِهِ اجْعَلُوا بِضاعَتَهُمْ فِي رِحالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَها إِذَا انْقَلَبُوا إِلى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٦٢))
[يوسف : ٦٢]
البضاعة حصيلة الفكر من المعقولات ، والرحال المستودع الذي تجعل فيه المعقولات ،