أدب) ، أو كما أوردنا قول ابن عطاء الله : حرك عليك النفس ليدوم إقبالك عليه. فالدور الذي تقوم به النفس إيجابي وإن بدا سلبيا ، وذكرنا في كتابنا «الإنسان الكامل» إن القرب لا يكون إلا بعد البعد ، وأنه لا يسمى قربا ما لم يكن القلب بعيدا ، فالإبعاد ضروري ، وهو الهبوط من جنة المعقولات إلى أرض الطبائع ، إذ لما كانت الصفة لا تظهر إلا بموصوف بها ، وكان القلب هو الموصوف ، ولما كانت الصفات تقتضي التناقض لإبرازها فالدور الممثل على المسرح مرسوم ومحدد وغايته إظهار الصفات تمهيدا لظهور الذات الإلهية.
٥٤ ـ (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (٥٤))
[يوسف : ٥٤]
الإستخلاص الملكي استخلاص الله للمصطفى من عباده ، وهو تشريف للإنسان وتعظيم ورفع لمكانته التي يعلو بها الملائكة ، ذلك لأن هذا المصطفى قد صار الإنسان الجامع لكل حسن ، فهو الله ظهورا ، أو كما قيل في ابن عربي : إن الله ظهر فيه باعتباره الوجود المطلق. فلا مكانة تعدل مكانة الإنسان المصطفى عند الله ، ولدى بلوغ هذا المقام يصلي الله وملائكته على عبده المصطفى ، وصلاته صلة الحق بالخلق الذي توحد وظهر صورة قدسية رائعة في هذه المرآة الجامعة.
٥٥ ـ (قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (٥٥))
[يوسف : ٥٥]
تحقق اسمي الله الحسنيين الحفيظ والعليم. والغاية من الخلق تحقق أسماء الله التي تكون مطوية فتنشر ، والأسماء في حال الطي في حكم العدم ، فكما قلنا إن الصفة تظهر بالموصوف ، فالأسماء بالتالي لا تظهر ، أي لا توجد وتمارس فعلها إلا بالظهور الإنساني ، ولهذا فرقنا بين علم الله المجمل الأزلي وعلمه المفصل المتطور بتطور الزمان والمكان ، فالأمر بين باطن وظاهر وداخل وخارج ، ولو لم يخلق الله ظهوراته لظل هو مخفيا غير ظاهر. ولهذا كانت أسماؤه هو أي ما يوصف بها.
ولما بلغ يوسف أشده ، وأوتي علم تعبير الرؤيا وتأويل الأحاديث صار من ثم عليما ، أي ظهر الله به باسمه العليم ، وهي مكانة عظيمة يتبوؤها الإنسان الإلهي المخلوق على صورة الرحمن.
٥٦ ، ٥٧ ـ (وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْها حَيْثُ يَشاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ (٥٧))
[يوسف : ٥٦ ، ٥٧]