النجم الهادي في صحراء الوجود ، هذا الإنسان هو العارف بالله الذي هبط من لدن الحضرة العلمية ليقول الكلمات الإلهية ، ويشرع للناس ما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة. وقال عليهالسلام في هؤلاء المصابيح : (إن الله ليبعث على رأس كل قرن من يجدد لهذه الأمة أمر دينها).
فالقطب هو الغوث للعباد المرسل من الله تعالى ، ولو لاه ما اهتدت الأمم ، ولا عرفت طريق الحق والسّلام. ويكفي الإستشهاد بما ورد في كتاب المائة الأوائل في التاريخ الذي ألفه العالم الغربي مايكل هارت ، فنجد أن النبي محمد احتل مرتبة الرجل الأول في التاريخ ، كما احتل عيسى عليهالسلام المرتبة الثالثة ، وما كانت الأنبياء فلاسفة ، وكان معظمهم أميين رعاة فقراء لا يقرؤون ولا يكتبون ، ومع هذا فإن الأمم اليوم ما تزال مؤمنة بالعقائد التي نشروها وبشروا بها.
٥٠ ، ٥١ ـ (وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جاءَهُ الرَّسُولُ قالَ ارْجِعْ إِلى رَبِّكَ فَسْئَلْهُ ما بالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (٥٠) قالَ ما خَطْبُكُنَّ إِذْ راوَدْتُنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما عَلِمْنا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٥١))
[يوسف : ٥٠ ، ٥١]
النسوة خواطر السوء والوسوسة والباعثة للشهوات. وسؤالهن وجوابهن الإشارة إلى المقام الذي يصله المصطفى بعد ركوبه يمّ التوحيد واطلاعه على سر التناقض والتضاد ، وهو سر يجعل الخواطر وحدة تامة صادرة عن الروح الفاعل نفسه الذي ينشق إلى يمين وشمال ، وفجور وتقوى ، ليعلم الإنسان بالتضاد نفسه. وبعد أن يعرف المختار سر التوحيد يسلم من أذى خواطره ، وتنقاد بالتالي له.
وقول امرأة العزيز : (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُ) يعني أن الحق اتضح وظهر ، وللقول لطيفة تتعلق بانشطار الروح الفاعل نفسه ، فجزء من هذا الإنشطار هو المسمى حواء والنفس الأمارة والنفس الحيوانية كما قال الجيلي. وبعد فتق سر التضاد يعود هذا الشطر الموسوس إلى الإتحاد بالأصل كما قال الشيطان في موضع آخر : (إِنِّي كَفَرْتُ بِما أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم : ٢٢].
٥٢ ، ٥٣ ـ (ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخائِنِينَ (٥٢) وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ ما رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٣))
[يوسف : ٥٢ ، ٥٣]
قوله : (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) هو انكشاف الحقيقة للعارف فإذا هو يجد أن من كانت تحضه على الشهوات إنما كان قصدها الحق والهدى ، كما قيل : (كل سوء أدب يثمر أدبا فهو