والبقرات السبع السمان أجزاء أو قوى النفس الكلية وهي العقل ، الفكر ، الخيال ، الذاكرة ، المصورة ، المؤلفة ، الحدس ، وكونها سمانا أي أن قواها كاملة مهيئة لاستقبال المعلومات من العالم الخارجي ، والبقرات السبع العجاف ما يؤول إليه حال هذه القوى الفكرية الباطنة بعد فتق المعلومات بها وفيها.
ولقد فسر يوسف نبي التعبير هذه العملية الفكرية الإنسانية بقوله : (تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ) والمعنى الهبوط من لدن الحضرة العلمية إلى الوجود العياني الحسي. فالنبي صلىاللهعليهوسلم قال عن الشجرة التي حذر الله آدم وزوجه من الإقتراب منها إنها الحنطة ، والحنطة رمز الحياة لأن الحنطة عماد الحياة ، ويقال للرغيف لدى العامة رغيف العيش. فزرع السنين السبع حال ابن آدم وهو يتلقى المعلومات من انطباعات العالم الخارجي بواسطة حواسه اللاقطة ، ثم تتفتق هذه الإنطباعات فتخرج منها المعقولات التي هي معقولات إلهية فيكون العالم الحسي بمثابة تربة تزرع فيها بذور المعقولات التي تكون بالقوة لتنبت من ثم المعقولات بعد أن صارت بالفعل ، ولهذا قال الفارابي : إن العقل يكون بالقوة ، ثم يصير بالفعل ، وهذا هم معنى قول يوسف : (فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ ،) أي أن الإنسان يستخدم بعض المعقولات في حياته العملية ، ويبقى لديه بقية المعقولات لغرض آخر.
والسنون السبع الشداد هي حال الإنسان الذي امتلأت حصالته بالمعقولات ، ولا يدري ماذا يصنع بها ، فالمعقولات لا تستخدم جميعا في حل مشكلات العيش كحال العاقلة العملية ، وتبقى معقولات العاقلة النظرية دوامة تائهة حيرى في ظلمات هذه الحياة ، ويبقى الإنسان جاهلا سر هذا الوجود وسر التناقض وسر الألم وسر الموت كما حدث لبوذا حيث كان بعد أميرا في قصره.
فالإنسان من دون المدد الإلهي القادم عن طريق الأديان المنزلة والأنبياء والأولياء ضعيف بائس ، وهو حال يعيشه العالم المتمدين اليوم وقد جعل الدين وراءه ظهريا ، ونسي الله وتفرقت به السبل. ونجد موقف الغربيين واضحا في هذا الضياع ، فظهرت من ثم الفلسفة الوجودية المعبرة عن العبث واللاجدوى والفوضى الإجتماعية.
أما العام الذي يغاث فيه الناس فهو الميقات الذي يظهر فيه ممثل الروح ، كما ظهر عيسى في زمانه ، وظهوره ظهور الإنسان الكامل المحدّث والمكلّم والملهم والآخذ عن الله بلا واسطة ، هذا الإنسان الذي يضع النقاط على الحروف ، ويحل المعادلات المستعصية والأحاجي ، ويرفع الستار عن الأسرار ويضيء المصابيح في الظلام ، ويكون للناس بمثابة