الروح الموحي نفسه ، ومادام هذا الروح فاعلا ، وما دام فاعلا عن علم قديم أزلي فالنتيجة أنه لا جديد تحت الشمس ، والقصد فتق أسماء معقولات كانت مرتقة. فالفهم المستخرج من القصص القرآني ذو علاقة بحياة الإنسان نفسها ، وما لم ير الإنسان نفسه في هذه القصص ، وما لم يعش بدوره ما عاشه أبطال هذه القصص فإنه يكون أمام أمرين ، فإما أن يكون فهمه قاصرا ومقصورا على أن ما قرأه عن أن عيسى خلق من غير أب ، وتكلم وهو في المهد صبيا ، وشفى الأكمه وأحيا الموتى ، وأن موسى وضعته أمه في التابوت ، ثم قذفته في اليم ، فالتقطه قوم فرعون ، فرباه فرعون إلى آخر القصة ، فتكون القصص أحداثا تاريخية جرت وانتهت ولم تعد ذات أثر في حياة الإنسان المعاصر. وإما أن تكون القصص القرآنية نفسها هي القاصرة وهي لا تعني شيئا سوى قص القصص التاريخية دون أن تتضمن معنى لقارئها ليفهم عنها ويعتبر .. والقصص القرآني من هذين الأمرين براء. فالقرآن خالد ، وخلوده مستمد من استمرار تأثيره في القارىء ، وهذا التأثير المستمر والمتجدد نابع من كونه مرتبطا بحياة الإنسان أنى كان ، وإنه إن قص قصص إبراهيم وموسى ويوسف وعيسى فإنما قصده أن ينبه الإنسان على أنه ابن آدم ومن نسل آدم وأن ما حدث لآدم ينسحب على بنيه ، وأنه إن كانت النار بردا وسلاما على إبراهيم ، وإن عرج النبي في السموات حتى بلغ سدرة المنتهى حيث جنة المأوى ، فإن في وسع الوارث أن يعيش هذه القصص وأحداثها باعتباره إنسانا ذا قلب استودعه الله علمه وإرادته وقدرته وسمعه وبصره وقبل هذا كله حياته.
فالإنسان خالد وقلنا إن خلوده يعني تجدد الفعل القديم المتعلق بفلق المعقولات ، ولهذا فإن ما عاشه النبي ينسحب على إخوانه من بعده. فرحلة المعراج التي عاشها النبي عليهالسلام عاشها الورثة من بعده قال ابن عربي : لما وصلت إلى هذا المنزل في وقت معراجي الذي عرج بي ليريني من آياته سبحانه ما شاء ومعي الملك قرعت بابه.
وذكر عبد الكريم الجيلي في كتابه «الإنسان الكامل» أنه قد عرج به إلى السماء أيضا ورأى ما رأى النبي فالله ما ضرب الإمثال بالقصص القرآني إلا ليحفز الناس على أن يلحقوا بركب الأنبياء والسادة الأكابر ، وهذا هو معنى قوله تعالى إن تحت الجدار الذي أقامه العبد الصالح كنزا مرصودا بانتظار من يستخرجه.
فشمر عن ساعد الجد يا إنسان ، وابحث عن كنزك المفقود فإنه تحت جدار هيكلك ، والسعيد هو من قدر له أن يكون من الصالحين من أصحاب الكنز الثمين ، والذي تمكن أن يخرج من البئر التي ألقي فيها يوسف ، ومن السجن الذي دخله ليصبح من ثم عزيزا مثل يوسف عليما حكيما يأخذ عن الحق بلا واسطة ويعلم تأويل الأحاديث ويدرج في الخالدين.