تسطع في ظلمات النفس فإذا السالك قد رأى العلامة فهاج شوقه ، وبرح به الهوى ، فخف للقاء الله. وأما الخوف فلأن هذه الإشارات النورانية تومض في عقر النفس الجزئية ، فيفزع صاحب النفس كما فزع النبي صلىاللهعليهوسلم لما كان في الغار ، فظهر له جبريل ، وغطه غطا شديدا ، وقال له : (اقْرَأْ) فلما تركه أسرع إلى مكة ، ودخل على خديجة رضى الله عنها يرتجف مقرورا وقال : (زملوني زملوني ...).
١٣ ـ (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣))
[الرعد : ١٣]
الرعد ما يلي البرق من صوت فهو نتاج الإشارة الإلهية والرعد ذو هيبة وجلال ، ووصف عليهالسلام الوحي بأنه كان يأتيه مثل صلصلة الجرس وكان إذا جاءه أغشي عليه وتفصد جبينه عرقا ، فإذا أفاق ظهر عليه التعب الشديد. وتسبيح الرعد بالحمد نتاج كون الصوت الجبريلي صوت جامع ، وهو عند ما يجيء الإنسان يدخل عليه من كل الجهات ، كما أوصى يعقوب الروح بنيه بأن يدخلوا مصر من أبواب متفرقة لا من باب واحد. وقيل لموسى عليهالسلام : بم عرفت أن الله تعالى هو الذي كلمك؟ فقال : لأن كلام المخلوق يسمع من جهة واحدة وهي السمع ، وإني كنت أسمع كلام الله تعالى من جميع الجهات بجوارحي كلها فعرفت أنه كلام الله تعالى).
١٤ ـ (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤))
[الرعد : ١٤]
كل دعوة من دون الله دعوة من جزء إلى جزء ، أو من تعين اسم إلى حقيقة الاسم نفسه ، ولهذا يظل الإنسان حائرا تائها ما لم يستغث ربه فيمده بنور الهدى.
١٥ ، ١٦ ـ (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (١٦))
[الرعد : ١٥ ، ١٦]
السجود الخضوع وهو نتيجة حتمية لكون الله هو القاهر ، فما ألحت عليه الصوفية هو كون الله في القلب ، وكون القلب في القبضة ، وهذا ما فعله الإمام الغزالي في باب عجائب القلب في «الإحياء». والسجود الطوعي استجابة ممثل الاسم الجميل لشقه الجميل ، وشقه الجميل هو نور الضمير. والسجود كرها وقوع تعين الاسم القاهر في قبضة القهر من غير أن يعلم ،