والناس لا يفكرون عادة في كيفية كون الكريم كريما والبخيل بخيلا ، ولا في كيفية استمرار الكريم في اتصافه بالكرم ، وإن فكروا فلن يدركوا كيف يظل الكريم محافظا على اتصافه بصفة الكرم ، ولا يتحول عنها إلى البخل خاصة إذا افتقر بعد غنى ، والجواب كله في أم الكتاب ، فهذه الأم هي التي تمد العيون بمائها ، وهي التي تمد الكريم بصفة الكرم طوال حياته ، وهي التي تمحو وتثبت ، علما أن المحو والإثبات عمليتان مترادفتان الغاية منهما تحقيق الإثبات نفسه. فالكريم تغزوه الأفكار ، وقد يفكر في مصلحته الشخصية ، وقد ينصح له ناصح بأن يوفر ماله ولا يسرف ، وكذلك الشجاع ... وقول النبي صلىاللهعليهوسلم : (إنه ليغان على قلبي) يعني أن النشاط الفكري التناقضي طبيعي وطبعي ولا مفر منه ، إلا أن القرار يبقى لله الذي يحكم الكون والمخلوقات ، فإذا فكر الكريم في الكف عن الكرم تدخل الله ووضع حدا للتناقض ، وبت النقاش بإثبات صفة الكرم لاسمه الكريم ومظهره ، فيكون الله الله في السموات والأرض وجبار الخواطر وهو الذي لا إله إلا هو.