العودة فيها يسر وتمتع بخيرات الحياة دون الإفراط والإسراف ، ولهذا ختمت الآية بالقول : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ). ولقد بشر النبي صلىاللهعليهوسلم بعودة عيسى عليهالسلام إلى الأرض مسلما ، يكسر الصليب ، ويقتل الخنزير ، فإذا عاد عيسى تزوج كما تزوج النبي محمد ، وأنجب ذرية كما أنجب محمد ، فهذه سنة الله في خلقه.
٣٩ ، ٤٣ ـ (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩) وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١) وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ (٤٢) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتابِ (٤٣))
[الرعد : ٣٩ ، ٤٣]
المحو والإثبات نشاط الخواطر في القلب ، فهذا النشاط هو النشاط الدماغي الذي يبدأ من ساعة الإستيقاظ وحتى النوم ولا يكاد يفتر ، وتتعاقب الفكر على ساحة القلب فكرة بعد أخرى وكلها قادمة من عالم الغيب كما قال جلال الدين الرومي. وقال صلىاللهعليهوسلم : (إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله سبعين مرة في اليوم). وقال سبحانه مخاطبا نبيه : (لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً) [الإسراء : ٧٤]. فما من قلب إلا وهو مسرح للنشاط الفكري الديالكتيكي هذا. والمحو محو الفكرة التي لا تأخذ طريقها إلى عالم الفعل ، والإثبات إثبات الفكرة التي تأخذ طريقها وتصير فعلا ، وكلا الأمرين من فعل الله عزوجل الفاعل على انفراد في القلب الذي هو مستودع الرحمن وأداة فعله.
أما أم الكتاب فهي الكليات الثابتة ، وورود أم الكتاب بعد المحو والإثبات له لطيفة ، إذ لهذا الورود بالمحو والإثبات صلة. فذو الحلم مثلا هو بشر من لحم ودم ، وله من نفسه قوتها الغضبية التي تمارس قوتها فيه ، فإذا جهل عليه جاهل استفزه وهمّ بالإستجابة لداعي الغضب فيتدخل الحلم ، والحلم صفة ، والصفة عين ، والعين من الأعيان الثابتة ، والأعيان الثابتة هي أم الكتاب كما قلنا وهي العلم الإلهي قبل التحقق ، فإذا الحليم قد حلم عمن جهل عليه ، وإذا صفة الله تحققت ، ولبست ذلك الرجل ، وإذا الله قد ظهر باسمه الحليم.
فالأمر ليس مجرد وجود ما يسمى أم الكتاب في سماء أو فوق السموات ، بل الأمر فعل وتنفيذ يأخذ طريقه من كونه علما إلى كونه فعلا. ومعنى أم الكتاب أن المحو والإثبات لهما علاقة بهذه الأم الأزلية التي خلقت العين والأعيان ، وخصت كل مخلوق باسم من أسمائها الجمالية والجلالية.