ولا ينام الضمير حين ينام الإنسان لأن الحق لا تأخذه سنة ولا نوم ، ولكنه يدع النائم في راحة من تعب الدنيا والكبد ، فإذا أفاق لازمه فما فارقه قائما وقاعدا وعلى جنبه ، وهو نور يسعى بين يديه في ظلمات البر والبحر ، فالضمير الرحمة الرحيمية التي خص الله بها عباده المؤمنين بالإضافة إلى الرحمة الرحمانية العامة للوجود كله.
٣٦ ـ (وَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَإِلَيْهِ مَآبِ (٣٦))
[الرعد : ٣٦]
أصحاب الكتاب فريقان ، فريق صادق ذو قلب سليم وهؤلاء إذا سمعوا ما أنزل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم صدقوا وعلموا أنه الحق وفرحوا لأن القلب السليم يسمع صوت الهدى من أي جهة صدر ، وذلك وفقا لبث المعقولات قواها من الخير والعدل والجمال والحق ، أما الفريق الآخر فهو المنافق ، وفي كل أمة منافقون يظهرون التصديق بما ينزل ، ويبطنون الكفر والتكذيب ، وهؤلاء آمنوا تقية أو حبا في تحقيق مطامع ومنافع ، ولكنهم إذا سمعوا التنزيل أنكروه لأنه يخالف ما يبطنون ، وما يبطنون هو الكذب والنفاق والتعصب.
٣٧ ـ (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا واقٍ (٣٧))
[الرعد : ٣٧]
لا سبيل إلا سماع صوت الحق. والأهواء خارجة عن حكم هذا الصوت وداخلة في الوسوسة ، والوسوسة تشكيك ولف ودوران ومحاولة زرع الخوف في القلب ، ولكل إنسان هدى ، والله هو الذي يوقي الأنفس شحها وأهواءها ، وما كان للنبي أن يكون صاحب هوى ولا سماعا لصاحب هوى ، ولئن فعل ضل وأضل.
٣٨ ـ (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨))
[الرعد : ٣٨]
نزلت الآية لما عيّر النبي بكثرة نسائه ، وقالت النصارى مفاخرين : إن عيسى زاهد لم يقرب النساء وكذلك يحيى .. ولقد رد الحق على هذا الإتهام مذكرا بأن كثيرا من الرسل كانوا ذوي أزواج ، وكان لداود مائة امرأة ، وكذلك ولده سليمان. ولئن لم يقرب المسيح النساء فلأن قدره قدّر ذلك ، وذلك بحكم كونه نبي علم الباطن ، أي العودة من عالم الظاهر إلى عالم الباطن وهو الروح وهي عودة تقتضي التطهر والزهد في مباهج الحياة وزينتها. أما محمد عليهالسلام فكان خاتم الأنبياء ، فبظهوره ختمت الدورة الوجودية التي بدأت بكشف الفعل بدءا من إبراهيم. وإتمام الكشف الذاتي يعني العودة من رحلة الباطن إلى عالم الظاهر من جديد ، وهذه