الجهل كما قال سبحانه : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) [الشمس : ٧ ، ٨] ، ومن منطلق هذا التأثير الذري الكوني قال سبحانه : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١)) [فصّلت : ١١].
٣٢ ـ (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ (٣٢))
[الرعد : ٣٢]
الإملاء والأخذ عن طريق الخواطر ، فالخواطر أصابع القبضة النورانية القاهرة. فإملاؤه سبحانه للكافرين حاصل من مدهم بخواطر مضلة ، ولهذا كان من أسمائه سبحانه المضل ، وأخذ الكافرين ختام دورة النفس الجزئية وهي لا تزال تحت حكم الخاطر الحاكم فتكون النتيجة أن مدخل الكافرين ومخرجهم وحياتهم وكفرهم هو بيد الله عزوجل لا شريك له في الملك ، ولهذا جاء في الآية السابقة : (أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً).
٣٣ ، ٣٤ ـ (أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِما لا يَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ أَمْ بِظاهِرٍ مِنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ (٣٣) لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٣٤))
[الرعد : ٣٣ ، ٣٤]
سبق وتحدثنا عن المكر. وقوله سبحانه : (بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ) فيه نكتة وهي كونه سبحانه يأخذ القلب أخذ عزيز مقتدر ، وأخذه إياه من قبيل الإلهام نفسه. والتزيين ما يسمعه القلب من الحديث الذاتي من دون صوت ولا لسان ، ويعيش الكافر في هذا المكر عمره وهو يظن فكره فكره ، بينما يقلبه الحق بواسطة فكره.
والتزيين قلب الحقائق ورؤية الحق باطلا ، والضلال صوابا ، والنتيجة الإضلال. ونجد في الآية أن من يضله الله فما له من هاد ، فالإنسان مهما سمع من حوله فإنه راجع في النهاية إلى نفسه ، فإذا كان الحق قد أضل الكافرين عن طريق الحديث النفسي نفسه فكيف يسمع الكافرون نصح الناصحين وهدي الهادين؟.
٣٥ ـ (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَعُقْبَى الْكافِرِينَ النَّارُ (٣٥))
[الرعد : ٣٥]
الأكل الدائم والظل ما يجده القلب من راحة وهو يستمع صوت الضمير الذي ينهى عن الفحشاء ، وينزل السكينة في القلب ، ويثبته في ساعة العسرة والخوف ، ويعده الأمل والنجاة مما هو فيه ، وهذه الأكل دائمة وللوصف لطيفة ، ذلك لأن الضمير لا ينام إلا إذا نام الإنسان ،