لحظة واحدة. وقال سبحانه : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥)) [الحجر : ١٤ ، ١٥].
وقوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) يعني أن المشيئة الإلهية شاءت أن يجعل الناس مؤمنين وكافرين ، وهو سبحانه القائل : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [التّغابن : ٢] ، وطبيعة التوحيد تقتضي التثنية والثنوية ، والثنوية المدخل إلى التوحيد. والأديان أنزلت للمؤمنين لا للكافرين والدليل النتيجة ، ولهذا قال صلىاللهعليهوسلم : (خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام). ولما أطال نوح دعوة قومه إلى الإيمان بالله كان جوابه تعالى : (وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ).
٢٨ ، ٣٠ ـ (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ (٢٩) كَذلِكَ أَرْسَلْناكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِها أُمَمٌ لِتَتْلُوَا عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتابِ (٣٠))
[الرعد : ٢٨ ، ٣٠]
تشرح الآيات كيف أن القلب لا العقل هو محل الإيمان ، إذ في العقل الذي هو فكر تناقض وتضاد ، ولهذا وجه الفيلسوف كانط قذائف نقده إلى هذا الصرح فدكه ، وأثبتت فلسفته أن طرق العقل فضيحة.
والإنسان عقل وقلب ، وكنا قد بينا في كتابنا «الإنسان الكبير» أن الإنسان يكشف عن وجود الإثنين فيه ، وذلك عند ما يقول لسانه شيئا أحيانا فتكذبه عيناه ، فالعين نافذة القلب ، واللسان للعقل ترجمان ، ولا يهم الله العقل وآلاته ، وإن كان جعله مدخلا إلى العلم وطريقا.
٣١ ـ (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعاً وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُمْ بِما صَنَعُوا قارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِنْ دارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ (٣١))
[الرعد : ٣١]
القرآن العلم الجامع قبل انتشاره ، فهو النور في حال كونه ذرا قبيل انفجار السديم الذري القديم ، فالقرآن أصل الوجود وحقيقته الجامعة. ولهذا نجد في الآية الإشارة إلى أن للقرآن تأثيرا في الطبيعة والجماد ، بل إن له تأثيرا في الموتى أنفسهم الذين هم موتى الجهل. وللقول لطيفة فلأن القرآن له الفعل النوراني الجامع ، ولأن القلب في القبضة ، حتى وإن كان قلب الملحد والكافر ، فالنتيجة أن القرآن الذي هو الربوبية الفاعلة يكلم الناس جميعا ، ومنهم موتى