مستقبل لإمدادات ربه ومرسلها عن طريق الفعل. وقالت عائشة : أخذ الرسول صلىاللهعليهوسلم ليلة بيدي وأشار إلى القمر قائلا : (إستعيذي من شر هذا ، فهذا هو الغاسق إذا وقب) ، وقد أراد الرسول صلىاللهعليهوسلم التنبيه على ضرورة أن يتجاوز الإنسان ذاته إلى ذات الله.
٣٤ ـ (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤))
[إبراهيم : ٣٤]
الظلوم من يظلم نفسه ، ولا يقدرها حق قدرها. فتحت جدار الأنا كنز من العلوم عظيم ، ومع هذا فالإنسان غافل عن وجود هذا الكنز ، متجه إلى العالم الظاهري ليأخذ عنه ، علما أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : (إذا أخلص العبد لربه أربعين يوما تفجرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه). ووصف الإنسان بالكفر دلالة على غفلته عن ربه والعلوم التي أهل لحملها ، لأن الكفر ستر وحجاب.
٣٥ ـ (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥))
[إبراهيم : ٣٥]
البلد القلب ، وأمنه إشعاع أنوار الإيمان والهدى في جنباته. وقال صلىاللهعليهوسلم : (ما أفاد العبد شيء بعد الإيمان كالمرأة الصالحة). والأصنام الوجوه الظاهرة ومالها من صفات حيث يعلق الإنسان المظاهر ، وينسى ربها بها الظاهر.
٣٦ ـ (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦))
[إبراهيم : ٣٦]
النظر إلى الناس على أنهم أنيات وصفات وأفعال هو الذي يضل الإنسان ، ونتيجة النظر إلى الإنسان كمخلوق فاعل حر يفعل ما يشاء فصل الإنسان عن الله الخالق الفاعل المختار والحر الذي يفعل ما يشاء. وليتساءل الإنسان : إذا فصل الله عن الوجود وجعل في السماء فقط ، فكيف يكون رب العالمين ، ويكون الله في السموات وفي الأرض جميعا ، وكيف يتحقق قوله سبحانه مخاطبا نبيه : (وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى؟) [الأنفال : ١٧].
٣٧ ، ٣٨ ـ (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨))
[إبراهيم : ٣٧ ، ٣٨]
الوادي النفس ، إذ خاطب سبحانه موسى في موضع آخر قائلا : (إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) [طه : ١٢] ، ووصف الوادي بأنه غير ذي زرع يعني كون النفس فطرة مغلقة ، لم تفتح مغاليقها وأبوابها الداخلية المطلة على عالم الروح.