والنبي صلىاللهعليهوسلم تبع ملة إبراهيم عليهالسلام ، وما كان له إلا أن يتبع ملة إبراهيم ، لأنه لا ملة حقيقية إلا ملة إبراهيم الذي وصفه سبحانه بأنه كان حنيفا قانتا لله ، ولهذا قال سبحانه : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] ، فكل من اجتباه ربه فهداه إلى الدين القيم كان مسلما حنيفا حتى وإن ظهر في زمن الموسويين والنصارى وحتى الوثنيين ، فعلى مر الزمان اجتبى الله من الناس أناسا يوحدونه وعلمهم علم التوحيد العظيم ، حاشاه سبحانه أن يكون ثم زمن ليس فيه موحدون لا يعرفونه حق معرفته ، ولا يتقونه حق تقاته ، ولا يموتون إلا وهم مسلمون.
وبسبب وجود هذه الحقيقة وردت سورة النحل في كتاب الله وسميت سورة النحل حيث قال سبحانه : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ (٦٨) ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٦٩)) فهذا الشراب هو الشرب من العيون الإلهية المتفجرة من الذات والتي سميت الكافور والزنجبيل والسلسبيل ، وسميت علومها أنهار العسل واللبن والخمر ، وهذا العلم هو الشراب الشافي لأن الإنسان ما لم يعرف ربه حق المعرفة لن تكتب له النجاة من نار التضاد والأضداد ، وسيعاني من حيرته وضياعه وجهله أسرار هذا الوجود ما عاش ، فإذا كان من أصحاب اليمين وأصحاب الأعراف واجتبي هدي إلى الصراط المستقيم ، فنجا من نار نمرود العالم الظاهري ، وعرف المدخل والمخرج ، فآمن وقرت عينه ، واطمأن قلبه كما اطمأن قلب إبراهيم ، وشفي كما شفي لما قال : (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) (٨٠) [الشّعراء : ٨٠] فعليك بشراب النحل أيها الإنسان ، فما غيره شراب شاف من هجوم الدنيا وتناقضات الأحداث وتقلبات الأيام ، ولتبدأ حياة جديدة قائمة على الإيمان بالعدل الإلهي الظاهر في هذه المظاهر ، فتحت جهنم الأضداد هناك نهر الكوثر حيث الراحة والجنة والسّلام.